المرأة البيروتيّة
قامت المرأة اللبنانيّة والبيروتيّة خاصة بدور هام في الميادين الإجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة في العهد العثماني، وأسهمت بتطوير المجتمع اللبناني نظراً لدورها وأثرها على الناشئة، وبالرغم من تباين المستوى الثقافي والإجتماعي للنساء البيروتيات، غير أن كل فئة منهن قامت بدورها في نطاق واجبها وميدانها واهتماماتها .
بعض نساء بيروت في القرن التاسع عشر كنّ يلبسن الازار الأبيض أو الملاءة (الملاية) الحرير وعلى وجهن المناديل الاسلامبولي (الفيشة)، وهن النساء المسلمات خاصة، كما أن النساء المسيحيات يشبهن النساء المسلمات من حيث لباسهن، باستثناء بعض التغييرات التي طرأت على هذا اللباس، حيث يلبسن الفساتين الواسعة وعلى رؤوسهن الطرح الرقيقة، أو البرانيط الأوروبيّة، وبعضهن مكشوفات الوجه، وقد أكد بعض الرحالة الذين مروا في بيروت، بأن نساء بيروت محتشمات عاملات في الميادين الإجتماعيّة والخيريّة، وفتح الجمعيات والمدارس ومساعدة المعوزين.
وانطلاقاً من العادات والتقاليد، فقد كان لمكانة المرأة البيروتيّة دور أساسي في التأثير على الحياة الإجتماعيّة، بما في ذلك النمط المعماري والهندسي للمنازل البيروتيّة، حيث كان يؤخذ بعين الاعتبار راحة المرأة وصيانتها وصيانة حرمتها، ولقد تبيّن بأن مختلف البيروتيين ومن مختلف الطوائف كانوا يحرصون على بناء بيوت وغرف لا تطل على الجيران وعلى مقر النساء.
غير أن العادات والتقاليد لم تمنع البعض من الشذوذ على المألوف، ولهذا برزت بعض العلاقات الإجتماعيّة المتوترة بين الأقارب والجيران بسبب عدم التقيد بالأصول والتقاليد، وتطالعنا بعض القضايا المدرجة في سجلات المحكمة الشرعيّة في القرن التاسع عشر، ومنها دعوى أحد البيارتة على جاره، لأنه فتح شباكين في طابقيه يطلون على إيوان منزله وفسحة داره، وذلك في محلة القيراط خارج سور بيروت، وأشار للحاكم الشرعي أن ذلك يعرضه للضرر البيّن، والتمس الكشف على ما ذكر، فتوجه معه نائب الحاكم الشرعي الشيخ إبراهيم أفندي الأحدب إلى المكان المتنازع عليه، وبعد الكشف والمعاينة على الشبابيك الأربع المذكورة، وجدها تكشف على بيت المدعي، ولهذا أمر الحاكم الشرعي المدعى عليه منع الكشف والضرر وإغلاق النوافذ فوراً.
من الأهميّة بمكان القول، إن الدراس لتاريخ المرأة البيروتيّة، يرى أنها بدأت بالتعلم سواء في المراحل الإبتدائيّة أو الثانويّة، وفيما بعد المراحل الجامعيّة، ذلك أن جمعية باكورة سوريا كانت أول جمعية للخريجات ، أسست عام 1879م، عندما اجتمعت بعض خريجات المدارس الإنكليزيّة والأميركيّة للبحث في أمورهن، وقد دامت هذه الجمعيّة النسائيّة في بيروت ما يقارب أربعة عشر عاماً، ثم تلتها جمعية زهرة الإحسان عام 1881م التي أسستها السيدة إميلي سرسق، وتأسيس بعض المجلات النسائيّة بواسطة نساء مثقفات مثل مريم مزهر وسليمة أبي راشد والأميرة نجلاْء أبي اللمع وجوليا طعمة دمشقيّة ونازك عابد بيهم وسواهن.
حول واقع المرآة اللبنانيّة ، يمكن أن تتلمس بعض الجوانب من خلال ما كتبته المرحومة السيدة عنبرة سلام الخالدي في ذكرياتها فقالت :(إن أمي كانت شديدة الرعاية لمدرستنا، فهي تُحسب من المتعلمات في زمانها، وقد تلقت مبادئ التعليم في مدرسة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة، ثم تولى العناية بتعليمها أخوها الشيخ محمد البربير، وكان يُعّد من أعلام الفقه في عصره، وقد إشتهرت عائلتها بالعلم، حتى أن جدة أمي كانت تحسن القراءة، أما أمي فكانت تقرأ الكتب الدينيّة والتاريخيّة والقصص التي كانت تصدر في أيامها ... ).
وبالإضافة إلى جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت، الخاصة بتعليم البنات، فقد أسس بعض وجهاء المسلمين في بيروت جمعيّة أسموها(جمعية ثمرة الإحسان) كان هدفها تعليم البنات المسلمات، فأسسوا مدرسة وسلّموا إدارتها إلى سيّدة سورية الأصل، إنكليزيّة الثقافة أسمها إليس إدلبي، عملت على تعليم الفتاة البيروتيّة وتثقيفها، في حين أن البيارتة احجموا عن إرسال بناتهن إلى مدارس البنات التي أنشأها الأتراك عام 1914م، لأن الأتراك من جمعية الإتحاد والترقي كانوا قد اختطوا خطة لتحرير المرأة بشكل يخالف العادات والتقاليد والشرائع، وكانوا قد أرسلوا لهذه الغاية من أسطمبول بعثة نسائيّة برئاسة السيّدة نيكار خانم شقيقة خالدة أديب، ولهذا فقد إستمر المسلمون في تأسيس مدارس خاصة لهم، فأسسوا (نادي الفتيات المسلمات) لإلقاء المحاضرات النسائيّة، وأنشأوا مدرسة تابعة للنادي.
وقد قامت المرأة البيروتيّة بدور بارز في الحرب العالميّة الأولى 1914م-1918م، حيث تولت المسؤوليّة الإجتماعيّة والإداريّة لمنزلها لا سيما في فترة غياب الرجال في الحر ، وقد ازداد دورها أهميّة بعد تردي الوضع الاقتصادي وامتداد المجاعة إلى بيروت فأصبحت المرأة هي التي تقوم بأعباء المسؤولية لوحدها أو بمشاركة زوجها إذا كان موجوداً في بيروت، وكم من النساء ذهبن من بيروت إلى دمشق خلال الحرب لتأمين القمح والطحين وبعض الغلات الغذائيّة الأخرى، ومن النساء البيروتيات من أدار الملاجئ الخاصة بالأيتام والفقراء، ومصانع الأعمال اليدويّة النسائيّة.
ويُلاحظ بأن المرأة البيروتيّة قامت بدور سياسي إلى جانب مهامها الأخرى، ففي العام 1913م موعد إنعقاد أول مؤتمر عربي في باريس، أرسلت الآنسات: عنبرة سلام، ووداد المحمصاني، وشفيقة غريب برقيّة إلى قادة المؤتمر جاء فيها: (.... صرختم فكان لصدى صوتكم رنة هزّت أوتار القلوب وحرّكت العواطف العربيّة الساكنة، فقد أحييتم زهرة الآمال المائتة، وأنعشتم القلوب البائسة، وأعدتم ذكر العرب البائد، وأظهرتم أن النفس العربيّة لا ترضى بالذل ولا ترضخ للعبوديّة).
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، وأثناء وجود لجنة كنغ/كراين في بيروت عام 1919م قابلت اللجنة وفداً نسائيّاً برئاسة السيدة إبتهاج قدّورة، التي سلّمت اللجنة مذكرة تضمنت موقف المرأة البيروتيّة واللبنانيّة من مستقبل لبنان والبلاد السوريّة.
في العام 1919م عقد في بيروت أول مؤتمر للنساء في قاعة (وست هول) في الجامعة الأميركيّة لمعالجة قضية المرأة، شارك فيه لفيف من النساء العاملات في الحقل الإجتماعي، وفي العام 1922م عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي العربي في بيروت، ثم تكررت المؤتمرات النسائيّة سواء في بيروت أو في عواصم العالم العربي، وقد شاركت المرأة البيروتيّة في جميع هذه المؤتمرات.
وبمرور السنين كانت المرأة البيروتيّة واللبنانيّة عامة تتابع تخصصها العالي وتحرز النجاح تلو النجاح في الميادين العلميّة، فمن حاملات الدكتوراه الطبيبات نذكر:
1.الدكتورة أنسطاس بركات باز ، نالت شهادة الدكتوراه عام 1905م من جامعة متشيغن في الولايات المتحدة الأميركية.
2.الدكتورة سنيّة حبوب ، نالت شهادة الدكتوراه عام 1931م من جامعة بنسلفاني في الولايات المتحدة الأميركيّة.
3.الدكتورة أدما أبو شديد ، نالت شهادة الدكتوراه عام 1931م من الجامعة الأميركية في بيروت، ثم تابعت تخصصها عام 1932م في جامعة جون هوبكنز في بلتيمور في الولايات المتحدة الأميركية.
4.الدكتورة إلين صافي ، نالت شهادة الدكتوراه عام 1931م من معهد الطب الفرنسي في بيروت.
5.الدكتورة هدى الرفاعي ، نالت شهادة الدكتوراه من الجامعة السورية في العام 1937م.
6.الدكتورة مي سعادة ، نالت شهادة الدكتوراه في العام 1945م من الجامعة الأميركية في بيروت.
7.الدكتورة آسيا مصطفى العيتاني ، نالت شهادة الدكتوراه عام 1945م من الجامعة الأميركية في بيروت، وتابعت تخصصها في الجامعات الأميركية.
ومن القابلات الأوائل منذ القرن التاسع عشر السيدة رشدية فاخوري زوجة الدكتور أنيس قدّورة، وفي أوائل القرن العشرين برزت القابلة السيدة سهيلة سعادة، ثم برزت فيما بعد الكثير من القابلات منهن: القابلة القانونيّة السيدة كوثر حلاّق خريجة معهد الطب الفرنسي، ومن خريجات معهد الطب الفرنسي أيضاً السيدات دريّة صغير، بديعة صندقلي، فاطمة العريس، مكرم الحسيني، لمياء عضاض ، وداد صندقلي، رمزيّة مروش.
وفي ميدان الصيدلة برزت: زهيّة بركات منذ أوائل القرن العشرين، وهي من خريجات الولايات المتحدة الأميركية. بينما أملي صافي وهي خريجة معهد الطب الفرنسي.
وفي العلوم والآداب النسائيّة برزت كل من:
◄الدكتورة زاهية قدّورة
◄الدكتورة نجلاء عز الدين
◄الدكتورة سلوى قصّار
◄الدكتورة إكرام الصغير
ومن حاملات الليسانس في مختلف العلوم من الرعيل الأول، ومنهن من أكمل الدكتوراه فيما بعد، فمنهن:
◄هيفاء طبّارة
◄مريم عيتاني
◄أناقة الزعنِّي
◄إنعام الصغير
◄زاهية دوغان
◄رجاء الشريف
◄سيرين الحسيني
◄عزيزة فاطمة الزين
◄يسرى محمد علي بيهم
◄دينا ونهلا مروة
◄ممدوحة السيّد
◄عايدة عانوتي
وسواهنّ مما لا يتسع المجال لذكرهنّ جميعاً .