د. عماد شيا(*)
تساءلت أوساط متابعة للتطورات السياسية والأمنية الأخيرة عما اذا كان بإمكان أي لبناني عاقل اليوم، اتخاذ موقف محايد ازاء ما يطرح بشأن مسائل ثلاث: المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة أصحاب مسلسل الاغتيالات والتفجيرات وأخيراً الخطف والقتل، الذي عم لبنان منذ سنتين، ولا يزال يتربص بأمن اللبنانيين واستقرارهم، والمسألة الاجتماعية الاقتصادية التي تهدد امنهم الاجتماعي، ومسألة الاستحقاق الرئاسي الذي يشكل في ظل المناخات السائدة "قطوع سياسي كبير" ويتعلق بمستقبل لبنان ونظامه السياسي.
وبحسب هذه الأوساط، قد يكون من السهل على أي لبناني أن يكون نظريا، محايداً بين فريقي 14 آذار و8 آذار، أو أن ينتهج خطا وسطا بين ما يسمى المعارضة والموالاة. لكن، وبعيداً عن لغة المكابرة والتخوين، ان يطلب من أي مواطن لبناني متزن ولديه الحد الأدنى من المنطق، أن يكون محايداً تجاه مسألة قيام المحكمة الدولية ويدعى للوثوق او تصديق ما يقدم من تبريرات لعدم اجتماع المجلس النيابي واقرار مسودة المحكمة، لا سيما بعد التعديلات الروسية التي اخذ بها، والرد بكلام سياسي مبهم على دعوة المبعوث القانوني الدولي "المعارضة" لتقديم ملاحظاتها وعرض هواجسها، فهذا في الحقيقة، امر يعبر إما عن عدم احترام وتقدير لعقل اللبنانيين وقدرتهم على التفكير والاستنتاج، وإما عن قناعة اصحاب هذه المواقف بأن مصلحتهم ومصلحة من تؤشر التحقيقات الى تورطهم في مسلسل الجرائم المذكور، تكمن بما لا يقبل النقاش او الجدل، بعرقلة انشاء المحكمة والحؤول بأي شكل دون قيامها.
أما المسألة الثانية التي لا يستطيع أي لبناني واع لمصلحته ومصلحة وطنه ان يكون محايداً تجاهها ايضاً، هي المسألة الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر أزماتها على لقمة عيش الناس وأمنهم الغذائي والصحي والاجتماعي. اذ كيف يمكن في ظل الأوضاع البائسة ان لا يتساءل الناس بغض النظر عن ميولهم السياسية أو اصطفافاتهم الفئوية والمذهبية، عن دور السلطة المسؤولة عن مراقبة عمل الحكومة وسياساتها، وعن سبب استمرار مجلس النواب مقفلاً أبوابه أمام مناقشة واقرار مشاريع القوانين والمراسيم ذات الطابع الاجتماعي الاقتصادي ومنها ما يتعلق بنتائج مؤتمر باريس 3، الذي لمس اللبنانيون من خلاله الكثير من التعاطف العربي والدولي، في حين ما يزال فريق من اللبنانيين يصر من خلال تعطيل عمل المجلس تحت شعار "لا شرعية للحكومة"، على حرمان اللبنانيين من الفرص التي قدمها هذا المؤتمر. هذا عدا عن تساؤلات الناس التي لا تنتهي عن جدوى الاستمرار في الاعتصام "المجوقل" في وسط العاصمة، وانعكاساته الكارثية على الأوضاع الاقتصادية والنفسية للمواطنين والمستثمرين والسياح من مهاجرين وعرب واجانب.
المسألة الثالثة والتي لا تقل أهمية عن الأولى والثانية، هي مسألة الاستحقاق الرئاسي. هذا الاستحقاق الذي غالباً ما كان يشكل في السابق "قطوع سياسي" يغرق البلاد بالمشاكل والأزمات، فكيف اذن اليوم، في ظل هيجان التنازع والتعطيل الحاصل في مؤسسة مجلس النواب الذي يمتلك بحسب الدستور التفويض المباشر من قبل الشعب على مدار أربع سنوات، لاعادة تكوين السلطة بدءاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
وتخلص الأوساط المتابعة الى التساؤل: كيف يمكن للمرء ان يكون محايداً بين من هو مستعد لفعل أي شيء لنسف المحكمة والتستر على القتلة، وبين من هو مستعد للتضحية بأي شيء لتوفير امكانية تحقيق العدالة، كما كيف يمكن ان يكون الانسان وسطياً بين من يقطع الطرقات ويحرض على خطف المواطنين العزل وقتلهم ويصادر الممتلكات العامة ويشل الحركة الاقتصادية، وبين من يجمع العالم لدعم لبنان و"يعض على جرجه" رافضاً الانجرار الى الفوضى الموعودة، داعياً الى الصبر والهدوء والاحتماء بالدولة. ثم كيف يمكن لأي مواطن سوي أن يقف مكتوف الأيدي ومعقود اللسان بين أصحاب خطاب التهديد بالتعطيل ودفع البلاد الى المجهول من خلال سيناريوات جرى اختبارها في الماضي، ويجري الحديث عنها الآن في السر والعلن، وبين الدعوة الى احترام المهل الدستورية وقيام المجلس النيابي بدوره في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة يعالج فيها الخلل الحاصل مع بيان وزاري يستند الى ما جرى التوافق عليه في جلسات الحوار وحول القرار 1701؟!
(*) أستاذ في الإعلام
*** المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها***