فادي شامية(*)
تنفّس الفجر كل يوم وانظر إلى الأفق الرحيب، فما زال في رائحة الشروق أملٌ وطيب... ما زال في الأرض عدلٌ رغم النار والوعيد والنحيب... ما زال في السماء شمس تحرق الخبَث وتنير الدروب.
تنفّس الوطن الذي حمله والدك إلى كل المطارات البعيدة، تنفس الأرض التي عشقها أبوك فصار من أجلها شهيدا... تنفّس عروبته المغدورة ممن ينسب نفسه إلى جذرها، وممن اكتفى باسمها، مضافاً إليه بعضاً من ممانعة!.
ستة وثلاثون وثمانمئة يوم، مُذ غسلت الدموع أعيننا في ذلك اليوم الشباطي الحزين، صرنا فيها متهمين بجرم الحقيقة، وملاحقين بجريرة طلب العدالة، ومفجوعين بظلم الأقربين، وخائفين من غدنا عند وداع يومنا. كم هو لئيم جلادُنا حين يلبس جلدَنا، وكم هو قاسٍ حينما يشعر بالخطر!.
سبعة وثمانون وخمسمئة يوم، ونحن نرى الخائفين والمتاجرين يتلوّنون من حولنا، يدّعون غيرةً لا نجدها، ويزعمون صدقاً لا نلمسه. يقولون صفحة نقلبُها، وجريمة كسابقاتِها، ولبنان أغلى من المحكمة وعدالتها. يحسبون أن الدَوس على الجرح يدمله، ويظنون في إخلاصهم النجاة من غدر أسيادهم يوم تتبدّل المصالح!.
الأمن والعدالة وجهان لعملة البقاء. لا مساومة بين الماء والهواء، وليس أمامنا إلا أن نُبـِرد بحدقات العيون نار الغرباء. قدرنا أن نسكب دمنا ودموعنا لنحفظ أنفسنا وأشقاءنا، فلبنان أصغر من أن تبقى النيران داخله، وهو أكبر من أن يشتد لهيبها فيأكله، وأرضه التي باركها الله أعز من أن تموت، وستعود فتية مهما أدمتها الطعنات، من الأعداء، وبعضٍ من الأشقاء والأبناء.
الدم المسفوك غدراً لن يجف، سيبقى ينادي الضمائر المنسية، سيستمر في لعن المتآمرين والحاقدين، سيبقى على سؤال من آثروا السلامة: كم يساوي السجود في الظل لحظة الحريق؟ وكم تعدل المبررات حينما يهجم الموت على الوطن؟
اللعبة باتت عارية تماماً، لم تعد تكسوها الكلمات ولو تنمّقت، ولم تعد تسترها الوعود ولو تزّينت، والدرب ما زال طويلاً، وعورَته تنشد شهداء، وخطورته تستلزم الصبر، والثورة الحبيسة لم تعد ترضى بأقل من محكمة تقول لمن شرب من دمنا ها قد حانت لحظة النهاية.
سعد، وكل الرجال المشفقين على الوطن من أن تكسره الريح الحاقدة، الرافضين الانحناء رغم ثقل الحفاظ على مكوناته، وإلى كل المطالبين بالعدالة، والحقيقة، والحرية... لتهنِئكم المحكمة، وعلى الذين رفضوا إقرارها في وطنهم، في أرضهم، ومع إخوانهم، أن تستيقظ فيهم المروءة، يوم يُعرف الرجال.
(*) كاتب في الشؤون الإسلامية