الفصل الخامس
ليلة " الموساد " في فيينا
حمل طارق المعلومات التي توفرت لديه ، وورقة الإجابات التي زوده بها النقيب خليل وسافر هذه المرة إلى باريس حيث اتصل بالسفارة الإسرائيلية هناك كما تعود أن يفعل في لندن . وترك لزكي خبراً حول عنوانه وبعد ساعات كان زكي يتصل به مرحباً كعادته وسائلاً عن أحوال بيروت والأهل و" الاكوامارينا " فرد طارق باقتضاب :
Ø الكل بخير متى نلتقي ؟
Ø فقال زكي : غداً . في السفارة ، الساعة الخامسة بعد الظهر .
Ø إلى اللقاء إذن في الغد .
وفى الموعد المحدد، كان طارق يقرع الجرس ويدخل البوابة الكبيرة الى غرفة التفتيش الآلي . ثم إلى غرفة انتظار كبيرة حيث ظل فيها أكثر من نصف ساعة قبل أن يدخل عليه زكي فاتحاً ذراعيه وهو يقول بابتسامة كبيرة على وجهه .
Ø أهلا أهلا بشيخ الشباب أنا آسف لتأخري عليك ، وما ذلك الا لأنني هنا ضيف مثلك . من لندن أو بروكسل أو جنيف أو ربما يكون قد جاء من تل أبيب.
تبع طارق زكي عبر ممر داخلي في السفارة، ثم صعدا درجاً صغيراً قبل أن يدخل ضابط الموساد إلى أحد المكاتب حيث تحدثا قليلاً في المجاملات المعهودة . ثم مد طارق يده إلى جيبه وأخرج الأوراق التي كان يحملها معه، وقدمها إلى ضابط الموساد الذي راح يقرأ بعدم اهتمام وجفاء . معطياً الانطباع للرائي بأن ما فيها مخيب للآمال، الأمر الذي جعل طارق ينفعل بشدة لكنه كتم غضبه وانتظر تعليق زكي الذي قال :
Ø ما هذا السخف ؟ كل هذه المعلومات والإجابات تافهة لا تساوى شيئاً.
فما كان من طارق إلا أن هجم على الأوراق يريد تمزيقها فصرخ به زكي .
Ø ماذا تفعل ؟ اجلس ولا تتحرك من مكانك .
وسحب الأوراق من يد طارق بشدة فتراجع الفتى وجلس في مقعده بانفعال شديد .
Ø فقال زكي : إياك أن تفعل ذلك مرة أخرى . نحن الذين نقرر هنا كل شىء ، ونحن الذين نحتفظ ونمزق، أنت عليك أن تقوم بواجبك وبكل ما يطلب منك بدقة . هل تفهم ؟
أومأ طارق برأسه بالإيجاب ولم يتكلم فقال زكي وهو يبتسم .
على أية حال . لا تغضب ، لأننا سنسهر معاً هذه الليلة .
في المساء التقيا وتناولا العشاء في أحد مطاعم باريس وقبل أن يفترقا اتفقا على موعد للقاء في اليوم التالي .
معلومات سرية
من المعلومات التي وردت في إجابات النقيب خليل قوله :
Ø كتيبة الأخضر العربي توجد في صبرا، وهناك كتيبة في الشمال والبقاع وصيدا، بالإضافة ثلاثة آلاف جندي نظامي من دولة عربية يلبسون لباس " الصاعقة " في الجنوب وعن سيارات القوات كتب أنه تتألف في غالبيتها من " التويوتا " و " الشيفروليه " ، أما الأسلحة فعبارة عن مدافع 106ملم و75ملم . ودوشكات وهاونات 60 ملم، ورشاشات 500كما جاء قوله أن كل شئ في يد زهير محسن الذي يملك منزلا في عاصمة عربية وهو عبارة عن فيلا كبيرة وأنيقة مؤثثة أثاثاً فخماً كما لديه منزل آخر في بيروت في بناية " الهوندا " وعن أبو سليم قال أنه يبدل سيارته باستمرار وهى دائما سيارات فخمة من نوع " بيويك " و " شيفروليه" و " مرسيدس " وانه متزوج ويقيم خلف مكتب " الصاعقة " في محلة جلول في الطابق الثاني وذكر أشياء وتفاصيل كثيرة عن أبو سليم تدل على أنه يكره الرجل إلى حد كبير أما أحمد الحلاق فهو المسؤول عن تدريب الشباب للعمليات الخارجية ، كما هو مسؤول عن مكتب ال19 وله معسكر في بلدة برجا، وأنه رجل جدي، متزن وهادئ يقرأ كثيراً ولا يحب السينما ولا وقت لديه لممارسة أية هواية من هواياته غير القراءة . متعصب للثورة الفلسطينية بشكل عام وللصاعقة بشكل خاص . ثم تحدث عن مسؤول الإعلام أسامة بيرقدار ذاكرا، أخلاقه وصفاته وعاداته وهواياته ودراسته وزوجته وأولاده، وخرج بخلاصة عن الرجل مفادها أنه يتسم بأخلاق عالية وأنه محبوب جداً في " الصاعقة " . وفيما ذكره أيضاً عن زهير محسن ، أنه يستعمل سيارات " مر سيدس 280 و 350 " . أما ماجد محسن فكتب عنه بأنه لا قيمة له سوى كونه أخ زهير محسن، لكنه أفاض في الحديث عن أبو على الذي يسكن خلف الأمن المركزي والمتخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق . متزوج وله ثلاثة أولاد، بلا أية هوايات . أي أنه يذهب من البيت إلى المكتب ومن المكتب إلى البيت ،جدي يقرا كثيرا متعصب للثورة الفلسطينية . قام بإحدى العمليات الناجحة في فيينا عام 1972م وعلى صلة وثيقة بأحد المسؤولين الكبار في إحدى الدول العربية .
والغريب في أمر النقيب خليل أنه كان يتحدث كثيراً عن الأشخاص الذي يحبهم ويوجز كثيراً في حالة الأشخاص الذين يكرههم . تبقى المفارقة أنه في حديثه عمن يحب من المسؤولين حديث قاتل، يصدق القول الشائع " من الحب ما قتل " . لكن في الوقت نفسه فاض في الحديث عن جهاز الأمن لصلته الوثيقة جداً بهذا الجهاز ، بينما أوجز كثيراً في حديثه عن القوات والميليشيات ، وعن السلاح آذى تعرضت له الطائرات الإسرائيلية في إحدى الغارات وقال إنها صواريخ " ستريلا " الموجودة لدى المقاومة .
توجه طارق في الموعد التالي إلي السفارة الإسرائيلية حيث اقتيد إلى مكتب زكي، لكنه لم يمكث هناك طويلاً، فقد أخبره ضابط الموساد أنه سيعلمه التصوير وعليه أن يخرج الآن وينتظره في محل " الفليبر؟ " القريب من السفارة .
بعد قليل وافاه زكي الذي اصطحبه إلى أحد مكاتب التاكسيات حيث استقلا سيارة انطلقت بهما إلى العنوان الذي حدده ضابط الموساد فإذا هو عبارة عن بناية قديمة تحمل في واجهتها لوحة نحاسية مكتوب في وسطها كلمة " شارون " دخلا إلى شقة في الطابق الأرضي على اليسار، وكان مفتاح الشقة مع زكي .
جلسا هناك حوالي نصف ساعة إلى أن جاء رجل متوسط القامة، أصلع الرأس عمره حوالي 50 سنة .
نحيف الجسم عندئذ قال زكي " شيخ المشايخ " :
Ø هذا الرجل سيعلمك التصوير . هل تعرف التصوير ؟
Ø قال طارق : " نعم " .
Ø فقال زكي : " لكنك الآن ستتعلم تصوير الوثائق " .
أخذ الرجل يعلم " شيخ المشايخ " كيف يصور بكاميرا من نوع " كوداك " وقال له :
" إذا كان معك ورقة وتريد تصويرها على عجل .. عليك أن تصورها كما يلي "
وتناول الرجل دليل الهاتف وسلط على إحدى صفحاته ضوءاً بزاوية معينة بينما الكاميرا تبعد مسافة معينة مثلها عن الورقة تاركاً حول الورقة من كل الجهات أيضاً مسافة معينة أثناء التصوير ثم قام الرجل بإجراء عملية التصوير أمامه، وبعد ذلك دخل الحمام عن فترة لا تزيد خمس دقائق، وعاد يحمل صورة عن الورقة، ثم تناول عدسة مكبرة مثل التي يستعملها خبراء المجوهرات فظهر كل شئ فيها بوضوح .
تصوير وتدريب
بدأ " شيخ المشايخ " يجرب التصوير واستمر التدريب حوالي ساعتين حتى أصبح يتقنه تماماً . عندئذ انصرف الرجل وبعد ربع ساعة خرج زكي و" شيخ المشايخ " في أثره .
في اليوم التالي التقى طارق بزكي في السفارة حيث أعطاه ضابط الموساد أسئلة جديدة للنقيب خليل ومبلغ 1500 دولار وتذكرة سفر بالطائرة ، ثم قال له:
Ø " الآن علينا أن نتفاهم على شيفرة معينة ترسلها بالبريد مثل البرقية كقوله أرجو إرسال 45 بدلة زرقاء بتاريخ20/2/79 على أن تصل منها بدلتان كعينة . وتفسير هذه الشيفرة كما يلي : 45 تعنى باريس وزرقاء تعنى سفارة، أما التاريخ فهو تاريخ تنفيذ العملية ، والعينة عدد الأشخاص المنفذين ".
اخذ زكي يفسر له نص البرقية . فالرقم دائماً يحمل اسم مدينة معينة، وكل مدينة أوروبية لها رمز ورقم معين، وبشكل عام يمكن تفسير الألوان في البرقية كما يلي : زرقاء سفارة، بنى : كنيس ، أسود: مؤسسة يهودية ، الرقم في البرقية : هو مفتاح البلد الأوروبي ، والتاريخ كما ذكرنا هو تاريخ تنفيذ العملية والعينة عدد المنفذين للعملية بينما اللون هو الهدف.
بطبيعة الحال. كان الغرض من هذه البرقيات أنه في حال معرفة طارق أو صديقه لأية معلومات حول عملية ستقوم بها منظمة " الصاعقة " يتوجب على طارق أن يقوم بإبلاغ الموساد عنها . ثم أعطاه ثلاثة عناوين ليرسل إليها برقياته : واحد في لندن والثاني في بلجيكا والثالث في النمسا . وبإمكانه أن يرسل إلى أي عنوان يريد في أوروبا إلى السفارة الإسرائيلية .
كان غطاء طارق في بيروت أنه تاجر ملابس لتبرير سفراته المتكررة إلى أوروبا أمام الآخرين من معارفه هناك . فهو يستورد من الخارج ملابس رجالية . وكان زكي في كل سفرة يعطيه عدداً من البدلات ليأخذها معه كغطاء لرحلته . لذا كان نص البرقية مأخوذا من طبيعة عمله الوهمي .
Ø ثم قال له زكي : " لا أريد أن أتمشى معك في باريس لأن فيها كثير من اللبنانيين الذين يعرفونني جيدا أما إذا رآني أحد معك فقدمن باسم زهير ماليتزى ، من مالطة ، وهذه عائلة مالطية موجودة فعلاً . لأنني كثيراً ما كنت أذهب إلى " الأكوا مارينا " أسبح هناك وأقضى أوقاتاً ممتعة . وليس هناك شئ ألذ من سمك السلطان إبراهيم " . فجونيه و " الأكوا مارينا " جميلتان من حيث الجمال والمتعة ومن المؤسف أنه لا تقدر أن تذهب إلى هناك كونك مسلم ولكنني كنت أتردد على بيروت الشرقية كثيراً " .
أكمل الفتى مهمته في باريس وعاد إلى بيروت حيث تقابل هناك مع النقيب خليل فأعطاه المبلغ بالليرة اللبنانية مرفقاً بورقة الأسئلة التي كانت هذه المرة أكثر دقة وتحديداً، إذ كانت احتياجات حقيقية للموساد بينما كانت الفترة السابقة عبارة عن نسبة بسيطة من الاحتياجات فيما كانت النسبة الكبرى منها اختبارية لأمرين الأول : لاختبار مصداقية المعلومات التي يزودان بها الموساد فقد طرح زكي عددا كبيرا من الأسئلة التي تعرف الموساد أجوبتها بدقة متناهية . وكان طبعاً يدس بين هذه الأسئلة أسئلة أخرى هم بحاجة ماسة إلى إجاباتها فكانت الأسئلة الأخرى تغطيها ، وكان لا يمكن معرفة الأسئلة الاختبارية من الاحتياجات الحقيقية . أما الأمر الثاني فكان اختبار مدى قدرة طارق وخليل على جمع المعلومات، لأن الهدف النهائي من طل هذا العمل بالنسبة إلى " الموساد " هو المعلومات . ولكن النتائج جاءت إيجابية .
فقد كانت الأسئلة هذه المرة تتعلق بالعمليات الخارجية ل" الصاعقة " التي تركزت حول عمليتين قامت بهما " نسور الثورة " في قبرص وباريس فكانت الأسئلة من نوع : من هو مسؤول العمليات الخارجية ؟
وما هي الأهداف المتوقعة في الخارج ؟ أين يتم التدريب على العمليات ؟ وهل زهير محسن على علم مسبق بهذه العمليات ؟
أسئلة دقيقة وخطيرة للغاية ... وكل سؤال من هذه الأسئلة يحتاج إلى شرح مطول بال إضافة إلى صعوبة الحصول على إجابات محددة لمثل هذه الأسئلة . إلا أن عمل النقيب خليل في أمن " الصاعقة " جعله قادراً على الرد على كل هذه الأسئلة ، بينما بات واضحاً من خلال هذه الأسئلة أن عين " الموساد " بدأت تنفتح على العمليات الخارجية التي تقوم بها " نسور الثورة " . فقد كانت الجهود العربية شفى تلك الفترة منصبة على إفشال اتفاقية كامب دايفيد . لكن بعض العمليات الخارجية كانت في ذلك الوقت تخدم إسرائيل إلى حد كبير كما سنلاحظ من خلال القصة ، إذ ترتبت عليها نتائج عكسية تماماً .
قام النقيب خليل بالإجابة على الأسئلة كما يلي :
Ø العمليات المتوقعة ، أي كنيس في أوروبا والسفارات الإسرائيلية ، ومطعم " هوفمان " –أحمد الحلاق هو الذي يقوم بتدريب الشباب على العمليات الخارجية والتفجير . ونقل المتفجرات يتم في قعر الحقيبة .
ونتيجة لهذه المعلومات كان أحمد الحلاق سيذهب ضحية ، ولكن الأمور تطورت في ما بعد ونجا بعد أن لاحقته " الموساد " لفترة طويلة .
Ø ثم قال أيضاً أن العمليات تتم بناء على طلب من جهاز مخابرات عربية ذكره بالاسم وأحياناً بناء على بادرة من أبو على . أما زهير محسن فهو على علم مسبق بجميع العمليات وبكل تفاصيلها .
في تلك الفترة كانت منظمة " الصاعقة " تشهد نشاطاُ حثيثاً في مجال العمليات الخارجية ضد المصالح الإسرائيلية والمصرية . فقد قامت " نسور الثورة " بعمليات ضد حي للطلبة اليهود في فرنسا، كما قامت عمليتين ضد السفارة الإسرائيلية في قبرص وضد مكتب الخطوط الجوية المصرية . وفى فترة لاحقة قامت المنظمة ذاتها بتبني هذه العمليات في بيان صدر عنها في بيروت ( نقلته وكالة " رويتر " للأنباء في 20 إبريل (نيسان )1979.
Ø بعد عودته إلى بيروت قال طارق لخليل : " إذا سمعت أو حصلت على أية معلومات عن عملية خارجية يجب أن تبلغني بأقصى سرعة لأنه أصبح لدينا الآن وسيلة اتصال .
ظرف حرج
في تلك الفترة كانت الجهود العربية والفلسطينية كلها مركزة على إفشال اتفاقيات كامب دايفيد . فقد اتخذ قرار في منظمة التحرير الفلسطينية بتصعيد الكفاح المسلح في الأراضي المحتلة، إلا أن " نسور الثورة " تجاوزت هذا القرار وأعادت العمل الفدائي إلى الأسلوب القديم الذي اتبعته التنظيمات الفلسطينية في فترة الانطلاق التي مرت بها لاثبات الوجود . فمنذ تشرين الثاني 1977 تاريخ زيارة الرئيس السادات للقدس توالت الظروف الصعبة على المنطقة الغربية، وحدث الاجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب اللبناني في شهر آذار 1978 أثر " عملية دلال المغربي البطولية " على شواطئ فلسطين . وفى يوم 4 أيلول 1980 اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية، فأصبح العراق مشلولاً لا يستطيع القيام بأي دور في الصراع العربي الإسرائيلي، أما الجبهة المصرية فقد أغلقت تماماً حيث اختار السادات أن يرحل بمصر بعيداً عن العرب، وفى سلام منفرد مع إسرائيل . ولكن الضرر الكبير الذي حصل على مستوى الثورة الفلسطينية تمثل فعلا في الحرب العراقية – الإيرانية . التي استفحلت مما جعل إسرائيل تفكر جدياً في اجتياح لبنان . ومثل هذا الأمر ما كان ليحصل لو لم تكون قدرات العراق مشغولة في الحرب مع إيران .
كان النقيب خليل يعمل في جهاز أمن " الصاعقة " وكان طبيعياً أن يتأثر مباشرة بالتطورات والأحداث شفى هذا الجهاز . الذي كانت استعدادات مسؤولية على قدم وساق لتصعيد العمليات . وكانت مهمة خليل تتمثل فى إعداد تأشيرات السفر للشباب وتذاكر السفر وإيصالهم إلى المطار . ولم يكن أحد يشك في النقيب خليل من حيث صدقه واخلاصه " الصاعقة " ولم يلاحظ عليه المسؤولون أي شئ يثير الشك والريبة .
وبطبيعة الحال فمسؤولية انحرافه يتحملها هو وليس التنظيم الذي يعمل فيه لأنه ليس من الطبيعي أن يدخل أي تنظيم في حالة مرضية من الشك في عناصره دون مبرر . وهذه مسألة في غاية الأهمية ، ففي فترة من الفترات كانت " الموساد " تعمد إلي بث حالة من التشكيك في عناصر منظمة التحرير الفلسطينية .
كان النقيب خليل ينتمي إلى جناح في منظمة " الصاعقة " هو " نسور الثورة " وحاول جلب طارق إلى هذا التنظيم . وبسبب الفوضى التي كانت تعيشها التنظيمات الفلسطينية ، أصبح طارق يكلف مع خليل بتسهيل سفر الشباب بحكم علاقته السابقة مع شركات السفر .
وفى أحد الأيام طلب خليل من طارق استطلاع هدف معين في أوروبا فأرسل طارق في اليوم نفسه البرقية التالية إلى زكي :
Ø هل من الممكن إرسال بدلات ؟ وأين يمكن استلامها ؟ " .
وكانت برقية غريبة مما جعل زكي يتصل هاتفياً من بلد أوروبي بطارق ليستفسره عن هذا الطلب الغريب، ففهم زكي أن الجماعة يبحثون عن هدف .
بعد عدة أيام
وصلت إلى طارق رسالة تحتوى على دليل سياحي لفيينا وحول كلمة " كنيس " موضوعة إشارة
(× ) . فهم الفتى الرسالة . فأخذ الدليل السياحي إلى خليل وقال له : " لقد
أخذت الدليل من السفارة
النمساوية ، وأعتقد أن هذا الكنيس اليهودي يشكل هدفاً نظيفاً " .
وبطبيعة الحال ، أرادت المخابرات الإسرائيلية أن تنجح العملية لأنها هي التي اقترحت الهدف وكانت تعرف أيضاً أن مثل هذه العملية لن تنجم عنها خسائر بشرية أو مادية كبيرة ، ولكن لها فائدة معنوية كبيرة تساعد إسرائيل في التحريض ضد الثورة الفلسطينية لتأليب الأوساط اليهودية في النمسا وأوروبا بهدف إظهار الثورة على أنها منظمة إرهابية تحارب اليهود أينما كانوا ، وليس الصهاينة الإسرائيليين فقط .
عاد النقيب خليل إلى الفتى وقال له أن جماعة في " نسور الثورة " قد وافقوا على الهدف فأخذ يجهز سفر أحد الشباب واسمه سالم إلى فيينا ، وقال له : " أبلغ الجماعة أن سالم مسافر إلى فيينا لضرب الكنيس " .
ولم يكن خليل ليعلم بأن " الموساد " هي التي اقترحت الهدف ، ولتأكيد الخبر أرسل طارق البرقية التالية :
" أرجو إرسال 33 بدلة زرقاء تاريخ كذا ( ذكر اليوم الذي سافر فيه سالم ) كما أرجو إرسال عينة واحدة، وتفسير هذه البرقية كالتالي : 33 تعنى فيينا ، زرقاء : كنيس ، التاريخ : تاريخ السفر ، العينة واحدة :
المنفذ واحد .
وبعد أربعة أيام عاد سالم بعد أن نفذ عملية ناجحة، فقد فجر الكنيس بمادة " تى. أن. تى "وبعد أن تأكد من الانفجار عاد إلى بيروت وكان فى استقباله في المطار – كإعادة – خليل وطارق .
Ø فقد قال له خليل : " برافو ... إن شاء الله تنفذ عملية أكبر في المستقبل . اذهب الآن لترتاح " .
وبعد أن أوصلا سالم كان خليل منفعلاً وقال لطارق : ما هذا ؟ يبدو أن الجماعة لم يفعلوا شيئاً .
Ø قال طارق : ولماذا أنت غاضب ؟
Ø قال خليل : لأنهم لم يقبضوا على سالم ، وهذه العملية ثمنها فلوس . لماذا لم يقبضوا عليه ؟ !
لم يكن النقيب خليل سعيداً على الإطلاق لأن العملية نجحت ، ولأنه حسب اعتقاده خسر ثمن العملية . فلو فشلت لقبض الثمن .
بعد هذه العملية بفترة قصيرة سافر طارق إلى فرنسا ونزل في أحد الفنادق واتصل بالسفارة الإسرائيلية في باريس .. وبعد ساعات اتصل به ضابط الموساد زكي مرحباً به كالعادة :
Ø " أهلاً بشيخ المشايخ، كيف الصحة والأهل ؟ لا تقل شيئاً . غدا نلتقي في السفارة الساعة الرابعة بعد الظهر " .
استقبله زكي في السفارة بحرارة وحفاوة ثم أخذ الفتى يتحدث عن عملية فيينا، وأنه أرسل إليه برقية بتاريخ تنفيذها واسم المنفذ مع صورة عن جواز سفر سالم ، فقال زكي :
Ø " لقد قمت بعمل عظيم يا شيخ المشايخ " .
Ø فقال طارق : " ولكن لماذا لم تقبضوا عليه ؟ "
Ø قال زكي وهو يبتسم : " لقد وصلت البرقية متأخرة .. ولكن ستكون لدينا وسيلة اتصال أسرع في المستقبل " .
تناول زكي من مكتبه كاميرا .. فارتعش الفتى الذي أصبحت لديه حساسية من التصوير والصور فقال له :
Ø " ماذا تريد أن تفعل ؟ "
Ø قال زكي : " لا تخف فالمسألة بسيطة " . كبس على الزر ليأخذ صورة عادية،
Ø وقال : " غداً نلتقي في مطار أورلى الساعة الرابعة بعد الظهر، وتكون قد لأحضرت كل ثيابك، دهش الفتى من هذا الطلب الغريب.
Ø فقال : " لماذا ؟ "
Ø فربت زكي على كتفه وقال : " لأنك غداً ستسافر إلى تل أبيب يا شيخ المشايخ " !