في اليوم التالي كان طارق يقف أمام السفارة الإسرائيلية في حي كنزنجتون، ويغط على الزر وبعد التحقق من صورته على الشاشة الداخلية، فتح الباب الحديدي الضخم ليدلف منه إلى غرفة التفتيش حيث خضع هنالك لإجراء روتيني قبل إدخاله على زكي الذي كان في انتظاره حسب الموعد المحدد .
نهض زكي من خلف مكتبه مرحباً بطارق وهو يبتسم قائلاً :
Ø أهلا . أهلاً بشيخ الشباب ، كيف الحال ، وكيف الأهل وكيف بيروت ؟
Ø رد طارق باقتضاب قائلاً : الحمد لله ، كلهم بخير .
ترى هل فكر
طارق بقوله الحمد لله ، كلهم بخير، أم إنها عبارة تقليدية ، كيف يكونون بخير وكيف
لمثله أن يحمد الله وهو يخون الله والوطن والأهل والأصحاب ، يتركهم طعماً لمدافع
إسرائيل وقنابلها العنقودية ؟
ظل زكي يسأل طارق عن أخوته وأهله ، وطارق يرد عليه بتلك الإجابات التقليدية . ثم
بعد برهة تناول من جيبه ورقة المعلومات الجديدة التي أحضرها معه من بيروت ، تناول
زكي الورقة منه وألقاها على المكتب بلا اهتمام ثم نهض ليصافح طارق مودعاً :
Ø شكراً ، غداً نلتقي الساعة الحادية عشر صباحاً في الهايد بارك . ، هل تعرف الهايد بارك جيداً ؟
إلى حد ما .
Ø هناك كشك على مقربة من ركن الخطباء هل تعرفه ؟
Ø أعرفه .
Ø حسناً إذن موعدنا هناك .
في صباح يوم الموعد ، كان طارق في تمام الحادية عشرة يقف أمام الكشك ويشترى لنفسه " ساندويتش " جبنة ، فهو لم يتناول إفطاره بعد ولم يكن قد أنهى " الساندويتش " حين أطل زكي ، الذي مشى أمامه وتبعه طارق على مقربة ، وظل زكي يمشى ويدلف من شارع إلى شارع حتى دخلا في شارع فرعى باتجاه واحد . وحين وصل زكي إلى المقعد مباشرة دون أن يمر على موظف الاستقبال . في الطابق الثالث توقف المصعد وخرج زكي يحمل في يده مفتاح الغرفة رقم 35 . فتح باب الغرفة ودخلا . ثم انحنى زكي وتناول حقيبة صغيرة بنية اللون من تحت السرير ناولها إلى طارق قائلا :
Ø خذ هذه الحقيبة وفتشها جيداً .
Ø وتناول طارق الحقيبة وأخذ يبحث عما فيها فلم يجد شيئاً فأعادها بقوله : لا يوجد فيها أي شئ .
Ø فقال زكي : تفحصها جيداً .
Ø وأعاد الفتى تفحص الحقيبة فلم يجد فيها أي شئ فقال : ماذا تقصد ؟ قلت لك أن الحقيبة فارغة .
Ø ألم تلاحظ عليها أي شئ .
Ø فأومأ له بالنفي وهو يحاول أن يجد شيئا ما في الحقيبة عندئذ ابتسم زكي وهو يقول : هذا هو التفتيش الطبيعي ، ومن الصعب اكتشاف هذا المخبئ السري فيها في الموانئ والمطارات . هذه هي الحقيبة السرية يا شيخ المشايخ .
وحين فتح له المخبأ السري وعلمه طريقة فتحه وإغلاقه ، ناوله ورقة أسئلة جديدة ومبلغ 3000 دولار نقداً .
Ø ثم قال له :هذا المبلغ حاول أن تقرض خليل منه شيئاً ثم طالبه بالمبلغ ولا تلح عليه ، فإذا ما عجز عن السداد أعطه ورقة الأسئلة ليجيب عليها في مقابل الفلوس . فإذا سألك عن الجهة التي تريد هذه الإجابات قل أنها مخابرات حلف شمال الأطلسي .
Ø حلف شمال الأطلسي ( ردد طارق باستغراب ودهشة ) .
Ø
فقال زكي :
نعم حلف شمال الأطلسي (وناوله تذكرة سفر والحقيبة السرية وهو
يقول). لا تحاول أن تهرب بالفلوس أو تتهرب . لأننا نستطيع الوصول اليك أينما كنت،
ثم لا تنس أن الصور مسوداتها موجودة لدينا .
Ø فرد طارق بصوت منخفض : لا تخف .
هكذا كان ضابط الموساد يتعامل مع طارق ويستعمل معه التهديد تارة واللطف تارة .حتى أصبح الفتى مسيطراً عليه تماما، إذ كان خالي الوعي والإدراك مما تفعله يداه من تخريب في أمن الثورة الفلسطينية وأمن بلده . كل ما كان يعنيه في البداية تلك الصور التي التقطوها له في أوضاع مخجلة يندى لها الجبين، وكان كل همه أن لا يندى جبين أبوه ولا جبين أي من أهله وعائلته أمام الناس إذا ما عرفوا حقيقته وبالإضافة إلى الصور كان هناك العامل المادي الذي لعب دوره في عمالة الفتى وتجنيده للعمل مع العدو فالدولارات التي تأتى من إسرائيل بلا تعب . وهذه السفرات إلى أوروبا التي يعلم بها مجايلوه من الشباب، عملت عمل السحر في عقله .
خطة تجنيد خليل
قضى طارق ثلاثة أيام أخرى في لندن يتسكع في الشوارع والحانات حتى لا يثير الشبهات بعودته السريعة إلى لبنان . وفى اليوم التالي لوصوله إلى بيروت توجه في الصباح إلى شارع الحمراء حيث عرج على مكتب أمن 13 التابع ل " الصاعقة " . استقبله خليل بترحاب كبير ، وبعد فنجانين من القهوة بدأ خليل يشكو من صعوبة الأحوال المادية ، ومصاريف العائلة والأولاد .
فقد خيل لضابط الصاعقة أن طارق غنى إذ يتاجر بالملابس ويسافر إلى أوروبا . وقد أدرك طارق أن صديقه خليل مخدوع به فدعاه إلى الغداء في مطعم" اللامب هاوس " ليعمق من هذا الانطباع في نفس الصديق الضابط من طارق وهما على الغداء أن يقرضه ألف ليرة لحاجته الماسة ، فقال طارق :
Ø ولو يا خليل ! بسيطة غداً يكون المبلغ معك .
ويبدو أن خليل استمرأ عملية الاستدانة من طارق ظاناً أنه ، جبل مالي ، لا تهزه الريح ، فصار شفى كل أسبوع يطلب منه معتذرا عن عدم التسديد – مبالغ إضافية تتراوح من 100 إلى 500 ليرة حتى صار مجموع ما اقترضه قبل نهاية الشهر ينوف على 3000ليرة . وذات يوم كانا يتغديان في " مطعم العجمي "حين قال خليل لطارق:
Ø طارق أرجوك أن تعذرني على عدم تسديد المبلغ كله لك ، فأنا لا أستطيع ذلك خصوصاً وأنك تدرك حالتي المادية جيداً .
Ø فقال خليل : ولا يهمك ، أنا لا أريد منك أي شئ . وبإمكانك أن تنسى تماماً أن إلى عليك دين . بل أنا مستعد لاعطائك المزيد .
دهش خليل لرد صديقه ، ولم يعرف كيف يشكره ، كان طارق يبتسم وهو يرى خليل يبحث عن كلمات الشكر المناسبة .
Ø لما سكت خليل عاجله طارق بقوله : أريد منك خدمة صغيرة ؟
Ø فقال خليل : أنت تأمر .
مد طارق بيده إلى جيبه وأخرج منها الورقة التي أعطاه ضابط الموساد زكي وناولها إلى خليل قائلاً :
Ø اقرأ هذه الأسئلة جيداً ، وانظر إذا كنت تستطيع الإجابة عليها .
قرأها خليل بسرعة ونظر في وجه طارق قائلاً :
Ø بس هيك ؟ !
Ø فقال طارق : نعم . بس هيك . وإذا أجبت عليها بدقة فستحصل على المزيد من الفلوس.
Ø أعطني مهلة يومين فقط وستكون الإجابات جاهزة تماماً .
فكر طارق في مهلة اليومين هذه وخشى أن يقوم خليل باطلاع المخابرات الفلسطينية أو مخابرات " الصاعقة " أو مخابرات بلده فأراد أن يجس نبضع فقال بلا اكتراث :
Ø بإمكانك اطلاع الجماعة على الأسئلة .
Ø فقال خليل بحزم : مستحيل . إذا عرفوا فسيكون أحد الأمرين : إما مصيبة أو أن يأكلوها هم ونخرج نحن من المولد بلا حمص .
Ø ضحك طارق إذ أدرك أن خليل مستعد لكل شئ في سبيل الفلوس . وحين سأله خليل متفسراً .
Ø لمن هذه الأسئلة ؟
Ø أجاب طارق ببساطة : حلف شمال الأطلسي .
كانت الأسئلة عادية وعامة ومعروفة للجميع في لبنان ، مثل : من هو أمين سر " الصاعقة " ؟ وكم عدد الأعضاء فيها ؟ ومن هو مسئول الإعلام ، وعدد القوات والميليشيا ونوعية تسليح كتائبها ومسئول الأمن ؟ فالغرض من الأسئلة اختباري من حيث المبدأ . و" الموساد " لا تحتاج إلى هذه المعلومات ، نهى تعرفها جيدا وملفاتها ملأى بالأسماء والمعلومات عن محل المنظمات الفدائية .
بعد يومين كان خليل جاهزا للإجابات المطلوبة التي كتبها بخط يده في سبع صفحات فلوسكاب ، فقد كان يطمع في إرضاء طارق ومن وراءه على أمل زيادة الدفع ، فتوسع في الإجابة وأطنب ، وكان ما ذكر إجابته قوله :
الكتائب : توجد كتيبة في الشمال ، وكتيبة ثانية شفى البقاع وثالثة في صيدا ورابعة في بيروت .
التسليح : هاونات 60 ملم ، و80ملم ودوشكا ورشاشات 500 .
مسؤول الأمن : أبو علي ، نائبه أبو سليم ، مكتب الأمن رقم 13 مسئول عن الأمن في بيروت الغربية ورئيسه النقيب خليل .
ثم عدد مسؤولى الأمن الآخرين وذكر أحمد الحلاق وأبو سليم وأبو على وباقي القائمة من فوق إلى تحت .
تصفح طارق الإجابات قليلاً ثم ناول خليل مبلغ ألف ليرة ، لكنه طلب منه أن يعطيه ايصالاً بالمبلغ ، ولم يتردد النقيب خليل لحظة واحدة إذ تناول ورقة من على المكتب وكتب فيها " أنا الضابط خليل ، تسلمت مبلغ 4000 ليرة لبنانية فقط لا غير من مخابرات حلف شمال الأطلسي " ثم دون التاريخ واسمه مرة ثانية ووقع الورقة دون أن يرف له جفن أو يفكر في العواقب .
ولدى وضع ورقة الإجابات في جيبه ، انتهت مهمة طارق في بيروت ، فأخبر صديقه خليل بأنه مسافر وسوف يعود بعد بضعة أيام .وفى اليوم نفسه الذي وصل طارق فيه إلى لندن اتصل بالسفارة الإسرائيلية حسب الاتفاق وترك خبراً لضباط " الموساد " زكي ، الذي اتصل به في المساء نفسه حيث اتفقا على موعد في الصباح في السفارة .
كالعادة رحب زكي بطارق وسأله عن أهله وعائلته وبيروت وزاد بقوله :
Ø وكيف وجدت الضابط خليل ؟
Ø رد طارق : " بخير ويسلم عليك ". ثم ناوله ورقة الإجابات والإيصال الذي سبق لخليل أن كتبهما بخط يده، وضع زكي الورقة أمامه على الطاولة وهو يسأل طارق :
Ø
قل لي ، كيف
وجدت مطار بيروت ؟ هل فتشوك ؟ وهل تعرف أحد من العاملين في المطار ؟
فأجابه بأن كل شيء مر بسلام إذا لم يفتشه أحد ، ومعرفته بالعاملين بالمطار معرفة
سطحية ومعرفة عمل من بعيد منذ كان يعمل في شركة السفريات . بعد ذلك طلب زكي أن
يحدثه بالتفصيل عن لقائه بالنقيب خليل ، فشرح له طارق كل شيء لينهى زكي اللقاء
الطويل بقوله :
Ø حسناً جداً ، الآن تذهب إلى شقتك وسأتصل بك غداًُ أو بعد غد .
خلال هذه الفترة كانت أحلام قد غادرت لندن برفقة زوجها إلى نيجيريا ،فلم يجد طارق ما يفعله غير التسكع في الشوارع والحانات الكثيرة ، إلى أن اتصل به زكي ليعطيه ورقة أسئلة جديدة لخليل بعد أن أوصاه:
Ø قل لخليل أن لا يبالغ وان يلتزم الدقة في الإجابات وألا سنقطع تعاملنا معه : نحن نريد الحقيقة فقط لا غير ، ولا داعي لاستغفالنا بقوله أن عدد أفراد ميشيليا " الصاعقة " 50 ألف رجل وعدد القوات 15 ألفاً .
Ø نحن نعرف له بحجم الميليشيا . نحن ندفع فقط مقابل الحقيقة.
لم يدرك طارق المغزى من دفع المخابرات الإسرائيلية لهذه المصاريف والمبالغ مقابل معلومات يعرفونها جيداً . لكنه لم يستمر في التفكير طويلاً فقد حسب زكي له حساب مهمته الجديدة ومصاريفها وحساب خليل ودفع مبلغاً آخر من المال ، وقال له :" هذا لخليل وهذا لك . ولا داعي لأن تحضر كل في مرة إلى لندن .
بإمكانك أن تذهب إلى أي بلد أوروبي وتتصل بسفارتنا هناك كما تفعل هنا تماماً وسوف أتصل بك كالعادة " .
فالدور الذي تلعبه السفارات الإسرائيلية معروف . ومثال طارق الحمدان خير دليل على دقة التنظيم وبمجرد أن يتصل شخص ما بأي سفارة إسرائيلية قائلاً : " أنا اسمي جونسون وأريد أن أتحدث مع السيد زكي ... أرجو أن تعطوه رقم هاتفي هذا ليتصل بي " . هذا الخبر الصغير يوصل فوراً إلي إسرائيل ، حيث يحول إلى الدائرة المختصة بشئون المخابرات الخارجية فتحلل الرسالة ويصار إلى إبلاغ الضابط المختص فوراً فيعرف واجبه تماماً .
مكث طارق في لندن عدة أيام أخرى دربه خلالها على اتخاذ الاحتياطات الأمنية شفى اتصالاته وتحركاته، وكيفية المحافظة على أمنه الشخصي ، فإذا كنت على موعد مثلا ، عليك أن تذهب إلي الموعد قبل ساعة على الأقل ... تراقب المكان والناس وتتمشى في كل الطرق المؤدية إليه ، فإذا ما تأكدت من أن أحد لا يراقبك اذهب في موعدك بسلام . أما إذا لاحظت وجود شئ غريب أو أحد يراقبك فلا تذهب إلى الموعد ذلك اليوم . وبالنسبة إلى مواعيدنا نحن ، إي موعد لا تستطيع أن تكون فيه في الوقت المتفق عليه يعنى أنه تأجل إلى اليوم التالي في الساعة نفسها . هذا إذا لم نتصل بك ونحدد مكاناً وزماناً آخرين " .
فأفضل ألف مرة إلغاء عدة مواعيد من حصول كارثة . كذلك الحال حين تخرج من لقاء معنا . فلا تذهب إلى البيت قبل تأكدك من أن أحد يتبعك أو يراقبك " .
رأى طارق في هذه الأمور وغيرها تعقيدات لا مبرر لها ، لكنه بدأ يلتزم بها بحذافيرها حتى تعودها وصار ينفذها بشكل طبيعي حتى أصبحت جزءاً من سلوكه .
الوقوع في المصيدة
بعد وصوله إلى بيروت بيوم واحد ذهب إلى مكتب صديقه خليل الذي بادره بذراعين مفتوحين محتضناً ومرحباً ، ليسأله بعد دقائق :
Ø ها ... هل رأيت الجماعة ؟
Ø نعم . وهم يسلمون عليك ، وقد أرسلوا لك 700 دولار معي .
Ø فقال خليل : هل هناك أسئلة جديدة ؟
Ø ورد طارق : نعم . لكنهم يعرفون كل شئ فلا تبالغ . لقد فضحتنا معهم .
Ø فقال خليل : المعلومات التي كتبتها لهم نقلتها من الملفات الرسمية ل" الصاعقة " على أية حال ولا يهمك ، سأعطيك هذه المرة المعلومات بكل البراهين والدقة الممكنة.. هات الفلوس !
Ø ورد طارق : غداً سأحضرها لك بالليرة اللبنانية .
خشي الفتى من تهور النقيب خليل . فهو مظهري ولا يهمه شئ وقد ينكشف الأمر إذا ما رأى أحدهم معه عملة أجنبية ، لذلك قام في اليوم التالي بتحويل الدولارات من أحد الصرافين الكثر شفى شارع الحمراء ، والذي أعطاه 2200 ليرة لبنانية في مقابلها ، سلمها مع ورقة الأسئلة إلى خليل ، والورقة هذه المرة زرقاء أيضاً كالمرة السابقة مكتوب في رأسها( الأخ خليل )وموقعه باسم جورج . لكن الأسئلة كانت تفصيلية ودقيقة تتطلب إجابات مفصلة ودقيقة وبالتالي مثل : من هو زهير محسن . ولادته وزوجته وأولاده وأهله وعائلته ودراسته وهواياته ؟ وكيف يداوم وكيف يدبر الأمور ؟ ومن هم المقربون منه من داخل " الصاعقة " ومن خارجها ؟ ... الخ ، ثم من هو أبو على ومن وأبو سليم ومن هو أحمد الحلاق ؟ وما هي مهمات كل منهم ؟ بالإضافة إلى مكتب الأمن 13 . وما هي أنواع السيارات التي يستعملها المسئولين وعناوين بيوتهم وصديقاتهم وأصدقائهم ؟ كذلك السيارات الخاصة بالقوات : نوعيتها ونوع الأسلحة والأعداد و الكميات ؟
لم يكن من الصعب على النقيب خليل أن يجيب على هذه الأسئلة . فهو يعمل ضابطاً في أكثر أجهزة منظمة " الصاعقة " حساسية ، وهو جهاز الأمن . لذلك فهو يعرف الكثير من التفاصيل الشخصية والاجتماعية والحياتية للمسئولين . كما يعرف التفاصيل العسكرية سواء من جهة العمليات التي تقوم بها " الصاعقة " أو لجهة الحراسة والأمن .لذلك كانت إجابات دقيقة ومفصلة وفق المطلوب تماماً . أخذها منه طارق وأخذ منه طارق وأخذ منه إيصالا بالاستلام شبيهاً بالإيصال السابق . ومع الأيام ولكثرة تردده على مكتب النقيب خليل ، توطدت علاقة طارق بالشباب العاملين خصوصاً في " نور الثورة " حتى أصبح محسوباً على هذا التنظيم ، يكلفه المسؤولون فيه بعض الأعمال الروتينية لكنها في الوقت نفسه مهمة كاستخراج تأشيرات السفر للمقاتلين الذاهبين في مهمات خارجية ومرافقة هؤلاء الشباب إلى المطار واستقبالهم لدى عودتهم من تلك المهمات . فكانوا يثقون به ويفيضون في الحديث معه ، فيستمع إلى كل ما يقولون ويرصد بين ذلك كله ما قد يكون مهما لينقله بعد ذلك بكل " أمانة " إلى ضابط " الموساد " زكي في لقاءاته معه والتي كانت تتوالى بسرعة لحرص " الموساد " على عنصر السرعة في عملياتها ، خصوصاً وأنها جهاز تنفيذي . أي أنها حين تتأكد من وجود قاعدة عسكرية فلسطينية فى مكان ما ، فإنها تعطى الإشارة بعد تحديد المكان على الخرائط الجوية ليقوم الطيران بقصف تلك القاعدة دون أي تأخير .
ويكون المبرر عادة أما رد على إحدى العمليات الفدائية أو افتعال شئ ما . أو إذا لم يكن هناك من مبرر فغالباً ما يتم القصف تحت شعار الضربة الوقائية .
وهنا مكمن الخطورة في عمل طارق الحمدان والنقيب خليل ، فهل كانا عاجزين على إدراك
خطورة عملهما ؟ بالتأكيد لا ، فقد كانا يعرفان ذلك تماماً . ولكن الدولارات الواردة
من إسرائيل وانعدام الإحساس الوطني والقومي والأنانية التي أدت إلى أن يلوث
الصديقان دماء الأهل وتراب الوطن .
كان طارق الحمدان قد أنهى بذلك مهمته في بيروت ، فحمل حصيلة الخيانة وسافر هذه
المرة إلى باريس للقاء ضابط الموساد هناك الذي كان يعد له مفاجأة لم يكن يتوقعها
مطلقاً .