مقدمة الإمَام النّوَوي
بسم الله الرحمن الرحيم
(وما آتاكم الرسول فخذوه)
الحمد لله رب العالمين، قٌّيومِ السَّماوات والأرضين، مدبِّر الخلائق أجمعين، باعث الرسل صلوات الله وسلامُهُ عليهم أجمعين، إلى المكلفين لهدايتهم، وبيان شرائعِ الدين، بالدلائل القطعية وواضحات البراهيين، أحمدُهُ على جميع نعمه، وأسأله المزيدَ من فضله وكرمه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، الكريم الغفار .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه وحبيُبه وخليلُه أفضلُ المخلوقين، المكرَّم بالقرآنِ العزيز المعجزة المستمرة على تعاقب السنين، وبالسُّننِ المستنيرةِ للمسترشدين سيدنا محمد، المخصوص بجوامع الكلم وسماحة الدين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين وآلِ كلِّ وسائر الصالحين .
أما بعد : فقد روينا عن علي ابن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم من طرق كثيرات، ومن روايات متنوعات، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(مَنْ حَفِظَ على أمتي أربعين حديثاً من أمْرِ دينها بعثه الله يوم القيامة في زُمْرَةِ الفقهاء والعلماء)
وفي رواية: ( بَعَثَهُ الله فقيهاً عالماً ).
وفي رواية أبي الدرداء: ( وكنتُ له يوم القيامة شافعاً وشهيداً ).
وفي رواية ابن مسعود: ( قيلَ له ادخلْ من أي أبواب الجنة شئت َ).
وفي رواية ابن عمر: ( كتبَ في زُمْرةِ العلماء ، وحشر في زمرة الشهداء ).
واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه، وقد صنف العلماء رضي الله عنهم في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات. فأول من علمته صنف فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الكندي العالم الرباني، ثم الحسن بن سفيان النسائي، وأبو بكر الآجِرِيُّ، وأبو بكر محمد بن ابراهيم الأصفهاني، والدار قطني، والحاكم، وأبو نعيم، وأبو عبد الرحمن السّلميّ ، وأبو سعيد الماليني، وأبو عثمان الصابوني، وعبد الله بن محمد الأنصاري، وأبو بكر البهقي، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين .
وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثاً اقتداءً بهؤلاء الأئمة الأعلام ، وحفاظ الإسلام ، وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ).
ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب. وكلها مقاصد صالحة رضي الله عن قاصديها .
وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة من قواعد الدين، قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك، ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم، وأذكرها محذوفة الأسانيد، ليسهل حفظها، ويعم الانتفاع بها، إن شاء الله تعالى، ثم أتبعها بباب في ظبط خفي ألفاظها .
وقيل : إن مالك بن دينار مكث بالبصرة أربعين سنة فلم يأكل من تمر البصرة و لا من رطبها حتى مات، وكان إذا انقضى وقت الرطب قال: يأهل البصرة هذا بطني ما نقص منه شئ ولا زاد .
فقد جاء في (مجمع الزوائد) للحافظ الهيثمي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتب له براءة من النار وبراءة من العذاب وبراءة من النفاق ).
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحدا يأخذها منه ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء رواه مسلم .