مفاجأة صاعقة

خفق قلبه بعد أن أخبره زكي بعد أيام أن مندوب شركته في بلجيكا وصل إلى لندن مع زوجته ويجب أن يعرفه عليه ، و كم فرح عندما جاء زكي يصطحبه بسيارته إلى إحدى الشقق المفروشة في لندن ، حيث وجد هناك مندوب الشركة في بلجيكا و زوجته التي تقترب من الأربعين ، رحب المندوب بطارق كما رحبت به الزوجة بحرارة ، بعد برهة دق الجرس و دخل شاب رياضي ، تحادثوا قليلا و تعارفوا قبل النهوض إلى مائدة العشاء فعرف أن الزوجة التي جلست بجواره أسبانية حدثته عن ماضي العرب و أماكنهم في أسبانيا ، بعد عشاء وضعت موسيقى صاخبة و بدا أنها ثملت فقامت ترقص بينما زكي و البلجيكي يتحدثان همسا فانزعجا من صوت الموسيقى فقال لها زوجها : " اخفضي الصوت قليلا " فردت عليه بغضب : " أنا أحب هذه الموسيقى و أريد أن أرقص عليها مع طارق " فقال الزوج " حسنا خذي الموسيقى وطارق و اذهبا إلى إحدى الغرف " .

وكان المرأة كانت تنتظر مثل هذه الإجابة فأخذت المسجل و قالت لطارق :

Ø     هيا بنا .

ذهب معها طارق إلى إحدى الغرف و أخذا يرقصان و هما في قمة النشوة بينما زكي وزوجها يتحدثان في الصالون على راحتهما .

فتح عينيه في الفجر بصعوبة على زكي وهو يهزه بقوة قائلا :

Ø     ما هذا يا طارق ؟ الرجل نائم في الصالون و أنت هنا مع زوجته .

هيا بنا قم بسرعة نهض برأسه المتعب وجسده الثقيل يجر قدميه جرا حتى كاد زكي يحمله حملا إلى التاكسي .

ومرت أيام لم يدعه زكي إلى سهرة جديدة و لا حتى غداء .

كان يتصل به باستمرار و يسأله عن نفسه و أحواله و عن الصداع الذي يصيبه ، خصوصاً أن طارق صار يتقيأ بين الحين والآخر والصداع لا يفارقه .

بعد أسبوع دعاه زكى على الغداء ، وفى البداية سأله عن حاله . ولما لعن طارق الصداع قال له زكى :

Ø     " انه المشروب والأفضل أن لا تشرب " .

فرد طارق :

Ø     ليس المشروب ، فأنا معتاد عليه في بيروت .

Ø     هل تعرف ضباطاً في منظمة التحرير الفلسطينية ؟

دهش طارق وتسارعت دقات قلبه للسؤال الغريب المفاجئ . وبشعور عفو رد قائلاً باقتضاب :

فقال زكى :

Ø     لا بد أنك تعرف بعضهم أو إحداهم على الأقل .

تمالك طارق زمام نفسه وهو يسأل :

Ø     لماذا ؟

فقال زكى بحزم وهو يرمقه بحدة :

Ø     من الأفضل لك ولنا أن تعرف أحدهم .

Ø     أنت من ؟

فقال زكى بهدوء :

Ø     نحن " الموساد " المخابرات الإسرائيلية !

صعق الفتى ولم يعطه زكى وقتاً كافياً ليفيق من صدمته ، إذ أخرج من جيبه مغلفاً كبيراً ألقاه أمام طارق وخرج . ففتح طارق المغلف بسرعة ووجد مفاجأة صاعقة في داخله فمادت الأرض تحت قدميه . ماذا في المغلف وما هي المفاجأة ؟

الفصل الثالث

العملية الأولى في بيروت

صعق طارق و صار الدم يجري في عروقه كالعجين ، فهذا زكي الرجل الخمسيني الطيب يتحول فجأة إلى ذئب كاسر ، شعر بان المغلف يحتوي على مصيبة لكنه لم يجد بدا من فتحه ، خصوصا أن زكي قد ذهب وركه وحده يبلع ريقه ومرارته وخوفه ، فقد هزته كلمة الموساد و أصابته بقشعريرة في الجلد والدم .
مدي يده وتناول لمظروف وفتحه فإذا هو يحتوي على صور له في أوضاع مخجلة ، ها هو يظهر بوضوح في الصور في مواقف شاذة مع شباب ورجال أجانب ، تذكر لشاب الرياضي في سهرة المندوب البلجيكي ، هذا هو نفسه الذي يقف خلفه في ذلك الوضع الشاذ الذي يعرق له الجبين .

أخذ طارق يرتجف بشكل لا إرادي ، خرج من المطعم حاملا المغلف بيده وهو لا يدري كيف حصل ذلك ، كل ما يذكره انه كان يختلي بالنساء في تلك السهرات فكيف يجيئه الرجال من حيث لا يدري و لا يعرف ؟ تذكر وجع الرأس الذي كان يصيبه في السهرات الحمراء تلك ، مشى وحيدا في الشوارع ، تسكع بلا هدف ، رأسه يكاد ينفجر ، فقد خيل إليه في لحظة أنه نسي شذوذه واسترد شيئا من رجولته الضائعة . لا أحد في لندن يستطيع أن يتحدث معه في مثل هذا الموضوع . خطرت أحلام في خاطره ، وظن أنه يستطيع أن يحدثها في ذلك الأمر ، وكيف ضحك عليه وكيف خدع ، لكنه اكتشف ، بعد إمعان في التفكير أن أحلام دهى آتى تقف خلف ما حدث له ، فقد تذكر ما قاله أخوها إبراهيم من أنها اتهمت بالتعامل مع المخابرات الإسرائيلية ، وحاول أن يربط التفاصيل الصغيرة بعضها مع بعض ، فهل انقطع الرجال في لندن لتأتى به من بيروت على حسابها وتسكنه في شقة في عمارتها وتدفع له الإيجار والمصاريف ، ولا تراه إلا نادراً ؟ هل يعقل ذلك ، أم أنها هي التي دبرت كل شئ ، وهى على اتصال بزكى منذ
البداية ؟

أحس بأن الأرض تدور به ، ولا بد أنهم وضعوا له مخدراً في الطعام والمشروب . وإلا ما معنى الوجع الحاد شفى الرأس وعدم قدرته على الوقوف ولبس ثيابه لدرجة أنه يحتاج لمساعدة زكى كلى يلبسه البنطلون ؟

وصل طارق إلى شقته ، وألقى بنفسه على السرير بكامل ثيابه حاول أن ينام فلم يستطع . نهض تمشى في الغرفة جيئة وذهاباً . صنع فنجاناً من القهوة وشربه ، لكن رأسه ظل يدور . صب لنفسه كأساً من الشراب وتناوله دفعة واحدة ، واتبعه بثان وثالث وارتمى على السرير يبكى ويبكى . ود لو أنه يستطع أن يقتل نفسه ويرتاح فيريح أهله من الفضيحة والإحراج فماذا لو صلت هذه الصور إلى أهله ؟ ما الذي يفعله أبوه وأخوته ؟ ضرب رأسه بيده وهو يبكى . فكر في أن يصعد إلى شقة أحلام فيخنقها بيديه ، فهي السبب وعاد شريط لقائه بها إلى ذاكرته منذ البداية في مطعم نصر ، ولم يصدق أن ذلك اللقاء كان مرتباً . كيف يعرفون كل ذلك ؟ وسرح تفكيره في الرسام : هل هو أيضاً مخابرات إسرائيلية ؟ وسعيد والآخرون ؟ ولم يصدق ثم فجأة ، رن الهاتف ، فظن أنها أحلام ، ولم يكن في حالة تساعد على الحديث ، فلم ينهض . لكن الهاتف ظل يرن بإصرار فقام متثاقلاً . رفع السماعة قائلاً :

Ø     هالو .

وجاء الصوت قويا حاداً كالمسمار :

Ø     كيف حالك اليوم ؟

كان زكى على الخط . فوجئ طارق به ولم يدر كيف يرد عليه ، فصمت ولم يجد جواباً . هل يقول له أنه بخير ، أم يشتمه ؟ ولم يتركه زكى فى حيرته طويلاً فاستطرد :

Ø     اسمع أريدك في مكتبي الآن .

فقال طارق بذل :

Ø     وأين مكتبك ؟

فقال زكى :

Ø     ستعرفه لو فكرت قليلاً واستعملت عقلك .

حاول أن يفكر ، إلا أن رأسه كان مزدحماً بالأفكار المتناقضة و الغضب المكتوم فقال :

Ø     لا أعرف أين مكتبك .

فرد عليه زكى :

Ø     فكر.

ولم يكن بحاجة للتفكير فعلاً . تذكر أنه يكلم زكى ، ضابط المخابرات الإسرائيلية فقال :

Ø     تقصد سفارتكم ؟ !

فقال زكى ببرود :

Ø     برافو هل تعرف العنوان ؟

فأجاب بسرعة :

فقال زكى :

Ø     عندك في الشقة دليل التلفون . ابحث عن اسم السفارة فستجد العنوان . خذ تاكسي على الفور ، وقل لهم على الباب أنك تريد مقابلتي وأن اسمك فلان .