الفصل الخامس

مقتل ضابط الموساد

أبدى إبراهيم دهشته من حديث جون وقال :

Ø     لماذا أتعرض لهذا الامتحان ؟

Ø     فرد جون :لدينا تقليد في الموساد يتعرض خلاله سنوياً مرة واحدة لهذا الامتحان وهو أمر عادى .

إبراهيم : لا علاقة لي بهذا الأمر .

Ø     جون : المسألة عادية ، والدكتور شلومو جاء خصيصاً ليقوم بالفحص ، لأنه من غير الممكن أن تسافر إلى تل أبيب دون هذا الإجراء .

واستمر جون في إقناع إبراهيم ، وتوجه الاثنان ومعهما شلومو إلى غرفة الطعام في الشقة . ولدى دخول إبراهيم وقعت عيناه على جهاز بحجم حقيبة " سامسونايت " (حوالي 50 ×40 سم ) . وطلب جون من إبراهيم أن يجلس إلى يمينه على كرسي قرب الجهاز . أما جون فكان خلف إبراهيم مباشرة . وعلى الأثر وضع شلومو إشارة " اكس " على الباب المغلق أما إبراهيم وعلى مستوى نظره بشكل أفقي . ثم طلب منه أن ينظر إلى الإشارة ولا يحول بصره عنها يمينا أو يسارا . وبعد ذلك قام شلومو بربط أسلاك تنتهي بنهايات معدنية وجلدية سميكة، وربط هذا الأسلاك على صدره وبطنه وأصابع اليد وذلك لقياس التعرق . ثم ربط على ذراعه آلة لقياس الضغط . وطلب من عدم التحرك أو التدخين . وبدأ الاستجواب على شكل مجموعات كل منها تتشكل من خمسة أو عشرة أسئلة، وكان المطلوب منه الإجابة عن كل سؤال بنعم أو لا فقط دون شرح ، في حين كان الجهاز الذي يشبه إلى حد بعيد آلة تخطيط القلب ، يخرج شريطاً ورقياً عليه رسوم بيانية .

Ø     هل اسمك إبراهيم سلمان ؟

Ø     نعم .

Ø     هل زرت تل أبيب ؟

Ø     هل تعتقد أن علاقتنا سرية ؟

Ø     نعم .

Ø                             هل كذبت علينا خلال فترة عملك معنا ؟

وضمنت المجموعة الثانية الأسئلة التالية :

Ø     هل أخبرت أحداً عن علاقتنا ؟

Ø     هل اسمك إبراهيم سلمان ؟

Ø     نعم .

Ø     هل تعتقد أن علاقتنا سرية ؟

Ø     نعم .

Ø     هل تعمل مع المخابرات السوفيتية ؟

Ø     هل أخبرت الأجهزة الفلسطينية عن علاقتنا ؟

أما المجموعة الثالثة فتضمنت ما يلي مع العلم أن بعض الأسئلة تكررت في العديد من المجموعات :

Ø     هل زرت تل أبيب ؟

Ø     هل يعلم أحد غيرنا بوجودك هنا ؟

Ø     هل تخفى عنا معلومات ؟

Ø     هل تكذب علينا ؟

Ø     هل أنت على علاقة بالمخابرات الصينية ؟

فترة التراجع

وبعد ذلك توقف شلومو وأوقف الجهاز وسحب الشريط الذي كان يلتف أمامه وراح ينظر إليه ويضع إشارات بالقلم . ثم رفع رأسه وقال موجهاً حديثه إلى إبراهيم :

Ø     أنت تكذب علينا .

Ø     فنظر إليه إبراهيم بازدراء وقال : من قال لك ذلك ؟

Ø     رد شلومو الجهاز .... انظر .

Ø     وراح يشير إلى الشريط بالقلم وقال : مثلاً عندما سألتك عن اسمك بصدق وعندما طرحنا عليك الأسئلة الأخرى كنت تكذب .. لا تغضب ، فالجهاز يقول ذلك وليست أنا وهو لا يكذب .

Ø     فأجاب إبراهيم ببرودة : إذن دع الجهاز يعمل معكم بدلاً منة وانتهى الأمر .

Ø     شلومو : يا صديقي ، لسانك يقول شيئاً وجسمك يقول شيئاً آخر .

Ø     إبراهيم : أنا أجيب بما أعرف .

Ø     وهنا تدخل جون في النقاش وقال : هل أنت مريض بشيء ؟

Ø     إبراهيم : كلا .

Ø     شلومو : هل تناولت اليوم أي نوع من الأدوية ؟

Ø     إبراهيم : كلا .. لماذا ؟

Ø     شلومو : لأنك إذا تناولت اليوم أدوية فسد عمل الجهاز . وما حصل الآن أنك أجبت عن السؤال إجابة صحيحة ، ولكن جسمك قال أنك كذبت علينا . والجهاز لا يمكن أن يكذب .

Ø     إبراهيم : إذا كان هذا رأيكم ، فالأفضل أن أترك العمل من الآن .

Ø     جون : كلا لم نطلب منك ذلك ، ولكن يجب أن تأخذ المسألة بروح رياضية.

Ø     إبراهيم : لقد تعرضت للمخاطر خلال الفترة الماضية ، وأعيش حالة خوف دائمة من انكشاف أمري . أن العقوبة على عملي معكم هي الإعدام . وأعصابي لا تحتمل . وها أنت تقول لي أنني أكذب .

Ø     جون : لا تغضب سنعيد التجربة .

وفى تلك الأثناء ، دار حديث بالعبرية بين ضابطي الموساد  وكان إبراهيم يتظاهر بعدم معرفة هذه اللغة، فقال شلومو موجهاً حديثه إلى جون :

Ø     حاول استفزازه حول ما إذا كان قد أبلغ لأحداً في منظمة التحرير أو أية جهة ثانية أخرى ، وفى هذه الحالة سنلعب معه .

Ø     جون : ما رأيك ؟ هل هو صادق أم كاذب ؟

Ø     شلومو : لم يتبين بعد . وفى النهاية سأعطيك تقييمي له .

واستمرت الجلسة أربع ساعات متتالية دون انقطاع لم يسمح أثناءها للشاب بالتدخين أو حتى بشرب الماء، فأحس بصداع شديد، وشعر أن رأسه يكاد ينفجر . وكانت معركة ضارية ، فكن يرد على الاتهامات، وأحس من خلال النقاش بين الرجلين أنه في وضع جيد ولا يشكون فيه، وان الامتحان قد تم للتأكد فعلاً .

وفى نهاية الجلسة قال شلومو موجهاً حديثه بالعبرية إلى جون :

Ø     ممتاز ... لا يكذب

وبعد هذه العبارة قال شلومو بالعربية :

Ø     على كل حال ، سنجتمع ونرسل هذه المعلومات إلى تل أبيب وهى تقرر . وأعتقد أنك تكذب علينا وهذا ما يقوله الجهاز .

وبعد انتهاء الجلسة نهض إبراهيم وتوجه إلى قاعة الجلوس فيما كان يحس بالسعادة لنجاحه في الامتحان رغم إحساسه بالإرهاق الشديد والصداع الذي يكاد أن يفجر رأسه . وجاءه جون وحدد معه موعداً مساء الغد في الساعة السابعة مساء في الشقة .

مهمة جديدة

في مساء اليوم التالي وفى الموعد المحدد، كان جون في انتظار إبراهيم . وبدأ الأول الحديث :

Ø     لقد أكد الجهاز أنك صادق معنا .

Ø     فقال إبراهيم بانفعال : إذن ، لماذا كنت تدعى أنني كاذب ؟

فقهقه جون وقال : هذه أصول الشغل يا صديقي . هل تعرف أنني عرضت على الجهاز في أوائل عملي في الموساد وجاءني خبير عصبي وعنيد وبدأ يتهمني بأنني على علاقة مع المخابرات الروسية فثارت ثائرتي لكنني اكتشفت فيما بعد أن المسألة لعبة . وعلى كل حال انس الموضوع، فلدينا الآن عمل كثير، وسأزودك بمجموعة من الأسئلة سأعطيك قبلها اسمي شخصين في منظمة التحرير على علاقة وطيدة مع أبو نضال وعبد الحمن عيسى . وأريدك أن توطد علاقتك بهما .

Ø     وبدأت المخاوف تنتاب الشاب وقال مستفسراً : ماذا تقصد ؟

Ø     جون : أبو نضال إرهابي خطير، ويعمل بطريقة سرية للغاية، وينظم عناصره بأسلوب غريب ويجب أن تكون مهيأ لذلك ، ففي العادة تجد شخصاً يتقرب إليك ويحدثك في السياسة بشكل عام، وبعد شهور يبدأ في خصوصيات سياسية ثم يعلمك بأنه من " فتح " . وبعد ذلك يعرض عليك العمل . فإذا وافقت وعملت معه و نفذت عدة مهمات بسيطة وأنت تعتقد انه " فتح " لكن فجأة يستدرجك إلي مكان ما وتعتقل ويبدأ التحقيق معك حول علاقتك بالمخابرات الإسرائيلية أو بأية مخابرات أخرى، ويتم خلال التحقيق تعذيبك، فان اعترفت أعدمت وان لم تعترف وتكون فعلاً لا علاقة لك مع الموساد عندئذ يتم تنظيمك بشكل جدي . وقد حاولنا دفع أكثر من 20 شخصاً إلى تنظيم أبو نضال دون نجاح يذكر .

Ø     تسمر إبراهيم في مكانه وقال : وقال : ولكن ما علاقتي بهذا الموضوع ؟ !

Ø     ابتسم جون وقال : لأننا سنحاول هذه المرة .

Ø     انفعل إبراهيم وأحس بأن ريقه قد تجمد في حلقه وقال : تحاول ؟ وهل تعتقد أنني حقل تجارب للموساد أنا أرفض المحاولة وأرفض العمل مع الموساد .

Ø     جون : اسمعني يا صديقي . أنت من أفضل رجالنا وأكفاهم .

Ø     ولا تنس أنك الرقم واحد في نظر تل أبيب . ولم توكل هذه المهمة إلا إلى رجل خطير مثلك . وأنا متأكد أنك قادر على العملية .

Ø     إبراهيم : هذه مهمة مستحيلة .

Ø     جون : صعبة ولكنها ليست مستحيلة. والمهم أن تتقرب من هذين الشخصين، وقد أردت أن أحدثك عن الموضوع بهذا التفصيل لأنك قد تتعرض لموقف ما على الغم من أنني يجب أن لا أحدثك عنه لأنني لا أعرف متى يتم لقاؤنا المقبل .

Ø     قال إبراهيم محدثاً نفسه : لن نتقابل بعد الآن .

Ø     جون : المهم ، من الآن سنسير باتجاه أبو نضال خطوة . ولكن في هذه الأثناء لدينا أعمال كثيرة أخرى .

Ø     إبراهيم : مثل ماذا ؟

Ø     جون : علاقة منظمة التحرير ب " حزب الله " والرهائن في لبنان . نريد أية معلومات حولهم . وهواري يجب أن لا يغيب عن عينيك . نريد أية معلومات حول نشاطه، فقد عاد إلى الساحة. وكذلك أبو جابر محمد الذي أصبح من جماعة هواري .

ثم أعطاه ورقة عليها أسئلة وبعض المال . وعاد الشاب ليلتقي أبو محمد .

نفسية سيئة

وخلال تشرين الأول وصلت برقيات الحث على موضوع أبو نضال وطلبت من إبراهيم السفر . وكانت نفسية الشاب سيئة للغاية، وبدأ يحس بانهيار حقيقي . فالعمل كان متعباً من الناحيتين النفسية والجسدية .

وفي أحد اللقاءات مع أبو محمد تحدث إبراهيم عن همومه الشخصية.

Ø     وقال : لقد تعبت من هذه اللعبة ، وأفضل أن أترك العمل، وقد وعدتني بذلك ، هل تذكر ؟ !

Ø     فقال أبو محمد : أذكر . لكن هل فكرت ملياً ؟

Ø     إبراهيم : نعم .

Ø     أبو محمد : المرحلة المقبلة جديدة وستبدأها الموساد معك . وأقول بصراحة أنها ستكون مفيدة للغاية . فقد تحملت أنت الكثير وأنا أعرف ذلك فلا تتوقف في منتصف الطريق . لقد عملنا بشكل ممتاز .

Ø     إبراهيم : لا أستطيع .

Ø     أبو محمد : هناك قاعدة في المخابرات تقول : " لا توجد خطوة إلى الوراء، فهناك خطوة إلى الأمام " .

Ø     إبراهيم : أريد أن أتوقف . وأعرف أنه ليس باستطاعتي العودة إلى الأمس.

Ø     أبو محمد : لن تتركك " الموساد " فستطاردك .

Ø     إبراهيم : سأختفي عن الأنظار .

Ø     أبو محمد : ما دام هذا قرارك فجهز نفسك للسفر ولا تخبر أحد أنك مسافر . ويجب أن لا يعرف أحد أثر عنك بعد اليوم .

Ø     ويتحدث أبو محمد قائلاً : لقد طاردت الموساد أحد الشباب بعد أن قامت بتجنيده . وعندما عاد إلينا اعترف بكل شئ ورفض أن يواصل العمل لكننا فوجئنا به في أحد الأيام وهو يدخل المكتب مذعوراً . فقد كان رجال الموساد يطاردونه بالهاتف ويطالبونه بمواصلة العمل، ثم تحولوا إلى المرحلة الثانية عندما طاردته سيارة وحاولت قتله .

ويعود أبو محمد إلى الحديث عن ضابط  الموساد جون، واسمه الحقيقي زربيب صاموئيل عمل في المخابرات الإسرائيلية منذ الستينات في تهريب أموال اليهود من الخارج، وكذلك هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة . ويعتبر من المتخصصين في شؤون شمال أفريقيا، وكان يرئس محطة الموساد في باريس منذ سنوات تحت غطاء وكالة عقارية ويدير شبكة تجسسية فيها العديد من الفتيات الفرنسيات والإسرائيليات .

وكان أبو محمد قد عرض على إبراهيم صوراً لضباط الموساد في أوروبا فتعرف إبراهيم عليه، ولكن أحد لم يشاهده في باريس . فقد مات في حادث سيارة على إحدى الطرق السريعة خارج العاصمة الفرنسية . أما إبراهيم فقد توارى وعاش متخفياً في أحد البلدان الأوروبية الشرقية منذ أواخر 1986 .

عودة إلى صفحة الجاسوسية