التخطيط لغارة تبسة

وبدت علامات الدهشة على إبراهيم وتسائل :

Ø     لماذا تريدني أن أسافر إلى تبسة ؟ ! فابتسم جون بخبث وقال :

Ø     وهل تعتقد أنها رحلة سياحية ؟ يوجد لدينا عمل كثير ونريد معلومات هامة من المعسكر .

Ø     فاعترض إبراهيم وقال : لا يمكنني السفر .

Ø     قال جون : لماذا ؟

Ø     رد إبراهيم : بسبب الإجازات .

Ø     ماذا سأقول للمسؤولين هذه المرة ؟

Ø     جون : قل لهم أن والدك قد توفى .

Ø     قال إبراهيم : وهل والدي في تبسة ؟ !

Ø     رد جون : استغل الظروف المناسبة وعندما تستطيع الحصول على إجازة مرضية أو عادية سافر فوراً بحجة زيارة صديقك في تبسة قاطعه إبراهيم وما هو المطلوب منى ؟

Ø     قال جون المطلوب كثير وسأعطيك ورقة أسئلة وسنتناقش فيها في ما بعد وقبل ذلك هناك أمر مهم أيضاً .

Ø     لقد وردت إلينا معلومات عن أبو العباس سيسافر إلى الجزائر .

Ø     إبراهيم : أرجوك. دعني من هذا الرجل .

Ø     جون : ماذا تقول ؟

Ø     إبراهيم : أنا لم أشاهدهم منذ عملية " أكيلي لاورو " . كما أن الرجل يتخذ احتياطات أمنية غير عادية ومن المستحيل معرفة مواعيد رحلاته .

Ø     جون ( ضاحكاً بخبث ) : أنت الوحيد الذي لا يوجد أمامه مستحيل .

Ø     إبراهيم : ماذا تقصد ؟

Ø     جون : أنت مرافق ، وتعرف جميع مرافقي القيادات ، وقادر على أن تتصل هاتفياً بأحد أصدقائك وتسأله .

Ø     إبراهيم : وهل تعتقد أنني على هذه الدرجة من الغباء ؟ أو أن أي مرافق مهما كانت علاقته بي سيسر إلى بأمر كهذا ؟ أنت تجهل أمن منظمة التحرير .

Ø     جون : هل أنت معنا أم معهم ؟

Ø     إبراهيم : أنا مع الواقع وأصول الشغل . ولا أريد أن أكذب عليك !

وبدت علامات الارتياح على وجه جون وقال :

Ø     فهمتك يا نمس ! كل شئ بثمنه . وإذا استطعت أن تحدد رقم رحلة أبو العباس فلك مكافأة مالية كبيرة من  الموساد وهذا الكلام ليس من عندي بل من تل أبيب وهذه رسالة تل أبيب إليك .

Ø     إبراهيم : شولتز يعرض 250 ألف دولار . فكم تعرض تل أبيب ؟

Ø     جون : لا تصدق كلام شولتز . هل تعرف شروط الجائزة الأمريكية ؟ ! فلن تنال دولاراً واحد قبل أن يقبض على أبو العباس ويحاكم أمام محكمة أمريكية ثم يقرر بعد ذلك . وأنا أعرف الأمريكان انهم لا يصدقون .ويقتلونك بعد القبض على أبو العباس، أو يبلغون عنك أي جهاز مخابرات، وفى أحسن الأحوال سيعطونك دولارات مزيفة ليكون مجرد حملها جريمة يعاقب عليها القانون . وبالنسبة إلينا، فلو استطعت تحديد رقم الرحلة، ولا علاقة لك بالأمر، سواء قبضنا عليه أم أسقطنا طائرته فنحن أحرار نفعل ما نريد، ولكن عندما تسلمني رقم الرحلة تقبض المبلغ فوراً . وهذا المبلغ لا علاقة له برواتبك ونفقاتك .

Ø     إبراهيم : أية رواتب ؟

Ø     جون : لقد حددت لك تل أبيب راتباً شهرياً قدره 1000 دولار . وهذا لا تعطيه تل أبيب إلا لرجال على مستوى عال .

Ø     وابتسم إبراهيم وقال : أشكر تل أبيب على هذه الثقة .

Ø     فأضاف جون : أريد منك بعض التفصيلات حول أبو العباس، وهى : هل يستعمل ماكياج ؟ وهل يتنكر أثناء سفره ؟ هل يستعمل أقنعة أو غير ذلك ؟ أنت مقصر من هذه الناحية وتريد تل أبيب بشكل عاجل تفصيلات من هذا النوع .

ويتحدث أبو العباس حول هذه النقطة ويقول انه خلال الحملة التي شنتها المخابرات المركزية و الموساد ضده وما تبعها من إيداع مذكرة توقيف بحقه لدى الانتربول، سافر في إحدى المرات إلى باريس وبقى خمس ساعات في قاعة الترانزيت في مطار أورلي ومعه مرافقه الخاص أبو على كاظم، علماً بأن الأخير مطلوب أيضاً وهو يشتبه أبو العباس إلى حد بعيد . ومن لا يعرف أبو العباس شخصياً ويرى أبو كاظم، يعتقد أنه هو ولعل اختياره هذا المرافق الخاص الذي لا يفارقه كظله، يعود إلى هذا الاعتبار. وبقى الرجلان في مطار أورلي دون أن ينتبه إليهما أحد، على الرغم من أن صور أبو العباس كانت تنشر يومياً في الصحف وتعرضها التلفزيونات الأمريكية الغربية، مما يؤكد أن الإجراءات الأمنية لا يمكن أن تكون مثالية، والعنصر الأساسي والمعلومات .

ثم تحدث إبراهيم قائلاً : أنا لا أستطيع السفر كل شهر إلى باريس . فهذا سيكون موضوع شك من جانب رؤسائي وزملائي .

Ø     جون : أنا معجب بحرصك وحذرك . وهو دليل على نجاحك ولا داعي لأن تسافر باستمرار إلى باريس ففي استطاعتك السفر إلى أي بلد أوروبي . إلى قبرص مثلاً فأنت تتردد عليها كثيراً وكل سفره إلى قبرص، تتصل بي وأنا أتيك خلال ساعات . لكن بعد زيارتك إلى تبسة يجب أن أراك في قبرص، والمهم أن أراك وهذا ضروري، ويجب أن تسافر إلى تبسة بالسرعة الممكنة هذه ليست تعليماتي . إنها من تل أبيب . وهى تلح عليك في الموضوع . وستأخذ مكافأة خاصة بعد تبسة كما سأعطيك الآن أي مبلغ تريده كنفقات الإقامة وراتبك الشهري وتذاكر السفر .

Ø     وواصل جون حديثه قائلاً : أبو نضال عاد بقوة، وعملية الأمس قام بها أبو نضال .

Ø     إبراهيم : ولكنكم تتهمون منظمة التحرير الفلسطينية ؟

Ø     جون ( متضايقاً من هذا السؤال ) : هذا ليس من شأنك أو شأني . فنحن لا علاقة لنا بسياسة تل أبيب . انهم يعلنون ويتهمون كما يريدون ، والمهم عملنا نحن . يجب أن نركز على أبو نضال ، وهى مهمة جديدة لك . أبحث عن أية معلومات حوله . لقد بدأت مرحلة العمل الجدي ونحن بحاجة ماسة إليك في هذه المرحلة .

ثم أعطى جون إبراهيم عدة أوراق للأسئلة ، منها قسم خاص بتبسة إضافة إلى أسئلة أخرى تتعلق بجبهة التحرير الفلسطينية وأبو العباس وأبو نضال . كذلك أعطاه المبالغ المالية بالدولار، ثم قدم له ايصالاً وطلب منه أن يوقع عليه بأنه استلم مبلغ ( كذا ) من المخابرات الإسرائيلية . فوقع الاتصال ثم نهض بعد أن حمل أغراضه وخرج ليسافر في صباح اليوم التالي عائداًُ إلى أبو محمد .

وزير الداخلية النمساوي

عاد الشاب ليجد أبو محمد وقد سافر إلى فيينا حيث التقى مع وزير الداخلية النمساوي، في إطار التنسيق الأمني بين المخابرات الفلسطينية والنمساوية . وقد جاءت زيارة أبو محمد بسبب عملية أبو نضال واشرح توجهات منظمة التحرير نحو إدانة الإرهاب ومكافحته تنفيذ ل " إعلان القاهرة " الذي قطع فيه عرفات الطريق على إسرائيل، عندما أعلن في 7 تشرين الثاني 1985 عن وقف العمليات الخارجية وأكد تمسكه بالمؤتمر الدولي للسلام وشجب المنظمة وادانتها جميع عمليات الإرهاب، سواء التي تتورط فيها الدول أو التي يرتكبها الأفراد أو الجماعات ضد الأبرياء والعزل في أي مكان وأكد القرار الصادر عام 1974 بإدانة جميع العمليات الخارجية وكل أشكال الإرهاب وشدد على التزام جميع الفصائل والمؤسسات الفلسطينية بهذا الإجراء . وأضاف أن المنظمة ستتخذ كافة التدابير الرادعة بحق المحالفين . كان هذا البيان التاريخي محوراً للقاء أبو محمد مع وزير الداخلية النمساوي في كانون الثاني 1986 حين بدأ الوزير منفعلاً نتيجة عملية مطار فيينا، وقال سنقطع دابر الإرهاب، وقد اتخذنا إجراءات أمنية مشددة في المطارات والنقاط الحدودية وداخل النمسا " وأبدى أبو محمد دهشته لهذه اللهجة الغريبة وقال الإجراءات الأمنية ليست الحل الأمثل للإرهاب، فمعالجة القضية لا تتم من خلال تكثيف الإجراءات الأمنية ومطاردة الإرهابيين، وقد أثبتت الأحداث فشل هذه النظرية . والحل هو البحث عن الجذور والأسباب ... الخ .

ولم تستطع عملية مطار فيينا أن تهدم جذور الثقة بين المنظمة والحكومة النمساوية، وتطورت العلاقات السياسية والأمنية بينهما بشكل سليم. وعلى أثر هذه الزيارة انتقل أبو محمد إلى عدن بعد أن وقعت الأحداث الدامية هناك محاولاً احتواء الخلافات لكن الأزمة كانت أكبر من التوقعات. وخلال هذه الفترة كان الضابط حسين يتولى التنسيق مع إبراهيم . لكن القرار النهائي كان ينتظر أبو محمد الذي ما إن عاد من جولته حتى وجد الشاب في انتظار التعليمات. وبعد أن اطلع على الأسئلة الخطيرة أدرك فوراً أن أجهزة الموساد بدأت مرحلة جديدة من العمل مع إبراهيم . فقد تجاوزت مرحلة الشك، لكن الأسئلة الاختبارية تبقى واردة طوال خدمة العميل لأن الثقة مسألة نسبية حسب رأى أبو محمد، ولا توجد في عمل المخابرات ثقة مطلقة فــ الموساد تخضع ضباطها سنوياً لاختبارات كشف الكذب ويبقى الضابط تحت الاختبار طوال فترة عمله، لأنه معرض للسقوط في أي لحظة . أما المخابرات الفلسطينية فإنها تتبع نظاماً مختلفاً . وإذا كان هذا النظام من حيث المبدأ مشابهاً إلا أن الوسائل الاختبارية تختلف . فــ الموساد تنتمي إلى المدرسة الأمريكية مع شخصية مستقلة، فيما المخابرات الفلسطينية تنتمي إلى المدرسة الشرقية مع شخصية هي الأخرى مستقلة . وتتميز المخابرات الفلسطينية بأن النظريات المتبعة في العالم لا تنطبق في كثير من الأحيان على عمل هذه المخابرات لأنها تشكل مدرسة مستقلة ومتميزة عن المدارس الأخرى كونها تعمل على أرض ليست أرضها ويتوزع " المركز " بين دول عديدة . وهى في النهاية مخابرات حركة تحرر وان كانت تمارس مهام الدولة منذ قيامها بشكل عملي .

وقد فشلت المخابرات الإسرائيلية والغربية في لبنان، لأنها طبقت النظريات على واقع مختلفاً تماماً عن تل أبيب أو واشنطن أو المخابرات الفلسطينية لمكافحة الإرهاب، بسبب نقص في الخبرة بالواقع اللبناني الذي امتد إلى دول عديدة في العالم . وكانت أسئلة الموساد هذه المرة تشمل قائمة بأسماء كوادر من جبهة التحرير الفلسطينية وتطلب أية معلومات تفصيلية حول واحد منهم، ومعلومات شخصية وأرقام هواتف وعناوين وحقيقة المهمات وهم : أبو العلاء ، أبو أحمد حلب ، زياد العمر ( مع تركيز خاص على زياد ) أبو على كاظم ، أبو العمرين ، حسين العايد ، على اسحق ، الرائد فهد ، أبو مازن وأبو رباح . فضلاً عن سؤال مكرر هو ما إذا كان عرفات على علم مسبق بعملية " أكيلي لاورو " وإذا كانت هناك عمليات محتملة ضد إسرائيل . إضافة إلى أسئلة حول علاقة ليبيا بالإرهاب وأبو نضال وعلاقة سورية بأبو نضال والتسهيلات التي تزعم الموساد أن السفارات الليبية والسورية تقدمها إلى أبو نضال وأية تفصيلات حول هذا الأخير وعبد الرحمن عيسى، وعاطف أبو بكر . وما علاقة أبو العباس بالحكومة العراقية ؟ وأين توجد معسكرات أبو العباس في العراق والجزائر ؟ ومنذ كانون الثاني كانت الموساد قد بدأت في إثارة الولايات المتحدة الأمريكية ضد ليبيا لتنفذ الغارة بعد هذا التاريخ بشهور . وكانت الأسئلة كثيرة وخطيرة، فاتخذ أبو محمد قراره بأن يسافر إبراهيم إلى تبسة .