أحترم الرومان شعائر أهل بيروت، وسموا البعل إله بيروت باسم جوبتير {المشتري}، مما يدل على توثيق الصلات بين بيروت وبعلبك، ذلك أن جوبتير هو إله بعلبك. وقد أقام أهل بيروت معبداً لآلتهم في الجبل المشرف على مدينتهم {بجوار بيت مري حالياً}، وهو هيكل بعل مرقد. كما ظهرت صورة آله البحر بوسيدون {نبتون}، على النقود البيروتية، حاملاً بيده رمحاً أو حربة مثلثة الرأس، أو راكباً مركبة تجرها خيول البحر. ويعتبر بوسيدون إله بيروت المفضل في تلك الفترة.
وكان البيروتيون يقصدون معابدهم لتقديم الضحايا والقرابين. وظلت العادات الوثنية متأصلة فيهم حتى ظهر الدين المسيحي.
وفي مجلة المشرق، دراسة كتبها الأب ألفرد دوران اليسوعي بعنوان {رحلة السيد المسيح إلى فينيقية والمدن العشرة}. وهذه الدراسة تجعلنا نتساءل : هل زار السيد المسيح مدينة بيروت؟.
الإنجيل يخبر بذهاب السيد المسيح{إلى تخوم صور وصيدا}. ولم تكن تلك الرحلة إلى جهات الجليل المجاورة لفينيقية، بل دخل فينيقية وتجول فيها كما يظهر من كلام القديس متى {أنه رحل إلى جهات صور وصيدا}، وذلك لينجو من دسائس أعدائه، ويبتعد عن البلاد الخاضعة لحكم هيرودوس انتيباس. والمرجح أن السيد المسيح وتلاميذه، اتجهوا من كفرناحوم على الضفة الشمالية من بحر الجليل، إلى صور على خط مستقيم، فقطعوا بلاد الجليل العليا {بلاد بشارة أو جبل عامل في يومنا هذا}، ولا يمكن التأكيد أنه دخل صور، أو مرَّ بجوارها فقط، {ثم خرج من تخوم صور ومَّر في صيدا}. ولم نجد نصاً صريحاً يدل أن السيد المسيح بلغ مدينة بيروت.
وبظهور الدين المسيحي ناهض دعاته عبادة الأوثان، مما أدى إلى اضطهادهم زمن الأباطرة تراجان سنة 112م، ودقيانوس سنتي 250/251 م، وفلريان سنتي 257/258 م، حتى كان الاضطهاد الكبير في الفترة 303/313 مزمن دويوكليشان ومكسيميان، فهدمت الكنائس وأحرقت الكتب المسيحية. ومن شهداء المسيحية في تلك الفترة بامفيلوس وقد ولد في بيروت، والقديس جورجيوس {مار جرجس} أو {سيدنا الخضر}، الذي تحكى عنه أسطورة قتل التنين في خليج بيروت، المعروف بخليج مار جرجس، وإنقاذ الأميرة. وأثناء الاضطهاد الكبير، كانْ يحكم على الأسرى الذين يجهرون بمسيحيتهم بالأعمال الشاقة، في مناجم الحديد في بيروت ومناجم النحاس في صيدا.
وبمجيء قسطنطين الكبير، وإعلان المسيحية دين الدولة الرسمي، بدأ سحق الوثنية في القرنين الرابع والخامس للميلاد، وحول الروم البيزنطيون هياكل الوثنيين إلى كنائس وأديرة ومزارات.
وفي نهاية القرن الرابع للميلاد، أقيمت في بيروت أبرشية (Bishoprie). وفي أواخر القرن الخامس، كانت بيروت على عدة كنائس بيزنطية، منها كنيسة القيامة وكنيسة مريم وكنيسة الرسول الشهيد يهوذا.
وظلت اللغة الإغريقية هي الشائعة في الشرق تحت الحكم الروماني، وبقيت سائدة في حقلي الأدب والتجارة، ذلك أن الحضارة الرومانية وريثة الحضارة الإغريقية. وهكذا استمرت الحضارة الهلينية بثوبها اللاتيني في نشاط وازدهار، وأصبحت بيروت {جزيرة لاتينية في بحر الهلينية الشرقية}. وأخذت الكتابات الإغريقية تحل على النقود مكان الرسوم الميثولوجية الفينيقية، وحلت اللغة الآرامية محل اللغة الفينيقية كلغة التخاطب. وبعد انتشار المسيحية في المنطقة، أصبحت اللغة السريانية ـ وهي لهجة آرامية ـ لغة الكنائس، ثم انتشرت كلغة أدبية، بعد القرن الثالث للميلاد، بسبب الرغبة في نشر المسيحية، فترجمت إلى اللغة السريانية.