تعددت زيارات ابراهيم وانشراح إلى روما... بعضها كان باستدعاء من الموساد.. والبعض الآخر كانت لاستثمار عشرات الآلاف من الدولارات التي حصلوا عليها من جراء عملهما في التجسس.

وفي إحدى هذه الزيارات.. قررا إشراك ولديهما لزيادة الدخل بتوسع حجم النشاط... ولم يكن من الصعب عليهما تنفيذ ما اتفقا عليه..

يقول الابن عادل في حديثه المنشور بجريدة معاريف: "عاد أبي وأمي ذات مساء من روما يحملان لنا الملابس الأنيقة والهدايا... وأحسست من خلال نظراتهما لبعضيهما أن هناك أمراً ما يجري الترتيب له وعرفت الحقيقة المرة عندما أجلسني أبي قبالته أنا وأخويّ وقال في حسم:

مررنا كثيراً بظروف سيئة.. لم نكن نملك أثناءها ثمن رغيف الخبز.. أو حفنة من الملح.. والآن نعيش جميعاً في رغد من العيش... ويسكن حوالينا أولاد في عمركم يحيون جوعى كالعبيد... أما أنتم فتنعمون بكل شيء كالملوك. ولم تسألوني يوماً من أين جئت بكل هذا.. ؟

إن عملي في الحكومة .. وتجارتي أنا وأمكن وشقائي طوال تلك السنوات لم يكن هو سبب النعيم الذي نحن جميعاً الآن... والحقيقة .. أن هناك أناساً يحبوننا للغاية.. وهم هؤلاء الذين يرسلون لنا الهدايا والمال... وبفضلهم لدينا طعام طيب وملابس جميلة.. إنهم الاسرائيليون... وهم الذين أنقذوا حياتنا من الجوع والضياع... وأمنوا لنا مستقبلاً مضموناً يحسدنا عليه كل من نعرفهم.

حدث ذلك في صيف 1971، وكنت وقتها في الثالثة عشر من عمري، وكان أخي نبيل يكبرني بعامين تقريباً وأخي محمد بعام واحد.

وكطفل ... لم أعر الأمر أهمية خاصة ... لحقيقة أن أبي "يعمل" مع الاسرائيليين.. ومثل كل الأولاد... كنت قد كبرت وتربيت على كراهية اليهود... لكن في البيت تلقيت تربية أخرى ... فقد عرفت أن الاسرائيليين هم المسؤولون عن الطعام الذي آكله... وعن الملابس الجديدة التي أرتديها... وعن الهدايا التي أتلقاها... لذلك .. سعدت لأنني كنت محظوظاً.

وكلما كبرت .. بدأت أدرك معنى "عمل" أبي .. وبدأ الخوف ينخر أكثر وأكثر في عظامي... فقد كانت كماشة من الموت تطبق علينا... وكفتى بالغ أدركت أنهم لو ضبطونا سيتم شنقنا.. من ناحية أخرى كان الخوف من حياة الفقر يصيبني بالشلل... فقد كنت ملكاً لديه كل شيء".

هكذا انخرطت الأسرة كلها في التجسس... وأصرت انشراح على الانتقال من الحي الشعبي الفقير إلى آخر رقياً وثراء... وعندما عارض زوجها قالت له: دعنا نستمتع بالحياة فربما ضبطونا.

وفي النهاية انتقلوا إلى فيلا فاخرة بمدينة نصر.. ونقل نبيل ومحمد وعادل مدارسهم إلى الحي الراقي الجديد.

احتفظ ابراهيم شاهين بعلاقاته القديمة وأقام أخرى جديدة... وامتلأ البيت مرة أخرى بالأصدقاء من رجال الجيش والطيارين... وتحول أولاده إلى جواسيس صغار يتنافسون على جلب المعلومات من زملائهم أبناء الضباط في المدرسة والشارع... ومناوبة الحراسة ريثما ينتهي أباهم من تحميض الأفلام... فكان نبيل يتولى المراقبة من الخارج... وعادل من داخل البيت ... وحصل نبيل على أدوار أكثر جدية.. فكان أبوه يسمح له بكتابة الرسائل بالحبر السري وتظهيرها... وصياغة التقارير وتحميض الصور.

وذات مساء بينما هم جميعاً أمام التليفزيون ... عرض فجأة فيلم تسجيلي عن أحد الجواسيس الذي انتهى الأمر بإعدامه شنقاً.. وطوال وقت عرض الفيلم انتابتهم حالة صمت تضج بالرعب والفزع... واستمروا على تلك الحال لأسابيع طويلة.. امتنعوا خلالها عن كتابة التقارير أو الرسائل... حتى تضخم لديهم الخوف وأصيبوا بالصداع المستمر.. ومرض ابراهيم فاضطرت انشراح للسفر وحدها إلى روما تحمل العديد من الأفلام... خبأتها داخل مشغولات خشبية.

كانت الرحلة إلى روما منفثاً ضرورياً للخروج من أزمتها النفسية السيئة.. وفي الوقت نفسه لتطلب من رجال الموساد السماح لهم بالتوقف عن العمل... فلما التقت بأبو يعقوب ضابط الموساد الداهية... قصت عليه معاناتهم جميعاً ومدى الخوف الذي يسيطر على أعصابهم.. فطمأنها الضابط ووعدها بعرض الأمر على الرئاسة في تل أبيب.. وصحبها إلى ناد ليلي فرقصت وشربت لتنسى همومها.. وعادت معه آخر الليل ثملة لا تعي ما حولها.. وفي الصباح وجدت نفسها عارية بين أحضانه فبكت... ومع أحضانه الدفيئة تكرر المشهد وهي بكامل وعيها.. فذاقت للجنس طعماً جديداً لا تعرفه.. ولم تتذوقه مع زوجها الذي انشغل عنها ولم يعد يهتم بها... بعدها عادت إلى القاهرة تحمل آلاف الدولارات. وكانت قبلما يفترقا في روما قد طلبت منه أن يرسل في طلبها بمفردها في المرات القادمة.

هكذا. لقد نسيت انشراح رغبتها في اعتزال الجاسوسية... واستمرأت مذاقات اللذة الجامحة مع ضابط الموساد الذي لم يبخل عليها بفحولته المغلفة بالحنان... وبالرغم من أن ما حدث يخالف وظيفة ضابط المخابرات ومهامه... إلا أنه ما لجأ إلى ذلك سوى لرغبته في احتوائها... وضمان ولائها لإسرائيل.

وفي آخر سبتمبر 1973 كانت انشراح بمفردها في رحلة أخرى إلى روما .. فاستقبلها أبو يعقوب المسؤول عن توجييها واستلام التقارير والأفلام منها. لذلك فقد كان عليه أن يسارع بمغادرة بئر السبع إلى اللد ثم روما في كل مرة تطير فيها انشراح خارج القاهرة. وفي ذات الوقت كان الضابط الاسرائيلي مكلف بألا يتعدى أية حدود مع الجاسوسة المصرية طالما رغبت هي في ذلك... لكن ولأن انشراح كانت من النوع الحار لم تجد غضاضة في أن تتغمس في بحور اللذة لا تريد الطفو على السطح أبداً... حتى فاجأها أبو يعقوب بنبأ هجوم الجيش المصري والسوري على إسرائيل... وأن احتمال القضاء على دولة اليهود أصبح وشيطاً. كان يقول لها ذلك وهو يبكي ويرتعد جسده انفعالاً.. فأخذت تواسيه وتبكي لأجله ولأجل إسرائيل... الدولة الصغيرة التي يسعى العرب لتدميرها (!!).

وفي أبريل 1974 اقترحت إنشراح على أسرتها السفر إلى تركيا للسياحة.. وبينما هم في أنقرة اتصل بهم أبو يعقوب وطلب من ابراهيم أن يسافر إلى أثينا لمقابلته. ومن هناك سافر إلى إسرائيل. وفي مبنى المخابرات الاسرائيلية سألوه:

Ø     كيف لم تتبين الاستعدادات للحرب في مصر؟

Ø     فأجابهم: لم يكن هناك إنسان قط يستطيع أن يتبين أية استعدادات. فبعض معارفي وأقاربي من ضباط القوات المسلحة تقدموا بطلبات لزيارة الكعبة للعمرة.

وأضاف ابراهيم:

Ø     في حالة ما إذا كنت قد علمت بنية الحرب فكيف أتصل بكم ...؟ فالخطابات تأخذ وقتاً طويلاً وهي وسيلة الاتصال الوحيدة المتاحة.

وبعد اجتماع مطول قرر قادة الموساد تسليم إبراهيم أحدث جهاز إرسال لاسلكي في العالم يتعدى ثمنه المائة ألف دولار. فلقد كانت لديهم مخاوف تجاه الفريق سعد الدين الشاذلي الذي يريد تصعيد الحرب... والوصول إلى أبعد مدى في سيناء مهما كانت النتائج... عكس السادات الذي كان يريدها حرباً محدودة.

دُرب إبراهيم لمدة ثلاثة أيام على كيفية استخدام الجهاز... وعندما تخوف من حمله معه إلى القاهرة.. عرضوا عليه أن يذهب إلى الكيلو 108 طريق القاهرة السويس الصحراوي. وهناك سيجد فنطاس مياه كبيرة مثقوب وغير صالح للاستخدام... وخلفه جدار أسمنتي مهدم عليه أن يحفر في منتصفه لمسافة نصف المتر ليجد الجهاز مدفوناً. وأخبره ضابط الموساد الكبير أن راتبه قد تضاعف، وأن له مكافأة مليون دولار إذا ما أرسل للإسرائيليين عن يقين بميعاد حرب قادمة.

عاد إبراهيم إلى أثينا ثم أنقره حيث تنتظره الأسرة... فقضوا أوقاتاً جميلة يستمتعون بالمال الحرام وبثمن خيانتهم.