بيروت في ظل دولة المماليك المسلمين
690-922هـ/1291-1516م
عندما ظهرت دولة المماليك في مصر، كان عليها مواجهة قوتين كبيرتين: المغول والصليبيين. فقد أستطاع المغول بقيادة هولاكو دخول بغداد سنة 656هـ/1260م، وسقطت الدولة الأيوبية في الشام. وحاولوا الاستيلاء على مصر، فتصدَّى لهم المماليك، وأنزلوا بهم الهزيمة في وقعة عين جالوت (1) سنة 658هـ/1260م. ثم لحقوا بهم وحرَّروا إمارات الأيوبيين في الشام،، فوحَّدوا بذلك مصر والشام، مثلما توَّحدتا زمن السلطان صلاح الدين الأيوبي. وحطَّمت انتصارات المماليك، معنويات الصليبيين الذين جلوا نهائياً عن الساحل الشرقي للبحر المتوسط، بعد زوال ممالكهم في أنطاكية وطرابلس وعكا وحيفا وصيدا وصور وبيروت وبيت المقدس... ولم يتركوا ورائهم سوى خرائب قلاعهم، لتكون شاهداً على ضياع أحلامهم بإقامة ملك مسيحي غربي في الشرق الإسلامي.
وكان ذلك كله تمهيداً لدخول بيروت تحت حكم دولة المماليك سنة 690هـ/1291م، الذي أستمر مدة قرنين وربع القرن.
(1) كانت معركة عين جالوت واحدة من أكثر المعارك حسمًا في التاريخ، أنقذت العالم الإسلامي من خطر داهم لم يواجه بمثله من قبل، وأنقذت حضارته من الضياع والانهيار، وحمت العالم الأوروبي أيضًا من شر لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذ أن يدفعه.
وكان هذا النصر إيذانًا بخلاص الشام من أيدي المغول؛ إذ أسرع ولاة المغول في الشام بالهرب، فدخل قطز دمشق على رأس جيوشه الظافرة في (27 من رمضان 658 هـ)، وبدأ في إعادة الأمن إلى نصابه في جميع المدن الشامية، وترتيب أحوالها، وتعيين ولاة لها، وأثبتت هذه المعركة أن الأمن المصري يبدأ من بلاد الشام عامة، وفي فلسطين خاصة، وهو أمر أثبتته التجارب التاريخية التي مرت على المنطقة طوال تاريخها، وكانت النتيجة النهائية لهذه المعركة هي توحيد مصر وبلاد الشام تحت حكم سلطان المماليك على مدى ما يزيد عن نحو مائتين وسبعين سنة.