في بغداد استأجر إبراهام منزلاً رائعاً، وافتتح مكتباً وهمياً للتجارة بشارع السعدون، والتحق بأحد المعاهد المختصة بتعليم اللغة الإنجليزية، وجند أول ما جند شاباً يهودياً يعمل مترجماً للغة الروسية، له علاقات واسعة بذوي المناصب الحساسة في الدولة، كثير السفر إلى موسكو بصحبة الوفود الرسمية، كان دائماً ما يجيء محملاً بالسلع والكماليات، معتمداً على إبراهام في تصريفها.

كان تجنيده بعيداً تماماً عن الجنس أو المال. إذ كان "شوالم" غالباً ما يحكي لإبراهام أسرار سفرياته وتفاصيل ما يدور هناك بين الوفدين العراقي والسوفييتي، ولم يكن يخطر بباله أن أحاديثه مع إبراهام كانت كلها مسجلة.

وعندما استدرجه ذات مرة للخوض في أدق الأسرار، تشكك شوالم في نواياه فامتقع وجهه واستبد به الخوف، وعلى الفور عالجه ابراهام بالحقيقة، وأكد له بأنه استفاد كثيراً من أحاديثه ونقلها حرفياً للإسرائيليين، فحاول الشاب أن يفلت بجلده من مصيدة الجاسوسية، لكن شرائط التسجيل المسجلة بصوته كبلته، فخضع مضطراً لابتزاز عميل الموساد.

كانت تجربته الأولى الناجحة قد زادته ثقة في نفسه، وأخذ يبتز شوالم إلى آخر مدى.

فمن خلاله تعرف إبراهام على مهندس يهودي، يعمل بأحد مصانع الأسمنت في بغداد، تردد كثيراً، على منزله برفقة شوالم في بادئ الأمر، ثم بمفرده بعد ذلك حيث شاغلته راحيل برقة متناهية، وأوحت إليه نظراتها وابتساماتها السحرية بعالم آخر من المتعة، لكنها لم تعطه شيئاً مما أراد، وأيضا لم تتجاهله، فحيره أمرها كثيراً، وما بين شكوكه في تصرفاتها حياله، واستغراقه في تفسيرها، أدمن رؤيتها طامعاً فيما هو أكثر، ليستسلم في النهاية صاغراً، ويستجيب لأوامرها عندما طلبت منه معلومات عن المواقع العسكرية التي تتسلم حصص الأسمنت.

وعندما سلمته أربعمائة دينار مقابل خدماته، صدمته الحقيقة التي تكشفت له، فهونت عليه الأمر وشرحت له الكثير عن واجب اليهود إزاء وطنهم الجديد، إسرائيل، وأمام فتنتها القاتلة لم يتبرم أو يعترض، بل تطوع – إرضاء لها – بجلب المعلومات الحيوية دون تكليف منها، عازفاً عن العمل بمقابل مادي لقاء خدماته، على أمل الهجرة إلى إسرائيل في أقرب فرصة، وتوفير فرصة عمل له هناك.

ولما أدركت هي ما يصبو إليه، لعبت على أوتار أمنيته، ووعدته بتحقيقها في التقريب العاجل.

استتر إبراهام خلف مكتبه التجاري، وزيادة في التمويه ... قام بشحن كمية من فاكهة البرتقال إلى الكويت، بواسطة سيارة نقل كبيرة "برادة" يقودها سوري عربيد من السويداء، يعشق الخمر العراقي  والنساء، له زوجة سورية في درعا، وأخرى عراقية في المقدادية، وثالثة إيرانية في كرمشاه.

كان السائق زنديقاً لا ديانة له، اسمه "خازن" وشهرته "شاخص" لشخوص واضح في عينيه، استطاع هذا الخازن أن ينال ثقة ابراهام خلال فترة وجيزة من العمل لديه في نقل الفاكهة إلى الكويت، ولأنه سائق فقط على البرادة، تسلل إبراهام إلى عقله ووجدانه، ووعده بأن يمتلك مثلها إذا أخلص إليه "وتعاون" معه.

في إحدى زياراته لزوجته السورية، تمكن شاخص من الحصول على بعض المعلومات التي تتصل بالتحركات العسكرية السورية على الجبهة، وبعض القواعد الجوية التي تطورت منشآتها وتحصيناتها، كما وطدد علاقته بأحد المتطوعين في الجيش السوري من أقرباء زوجته، استطاع بواسطة الهدايا التي أغدقها عليه، أن يتعرف من خلاله على أسرار هامة، تمس أموراً عسكرية روتينية ويومية، قام بنقلها إلى ابراهام بأمانة شديدة، فمنحه مبلغاً كبيراً شجعه على أن يكون أكثر إخلاصاً في البحث عن المعلومات العسكرية، ليس في سوريا فحسب، بل وفي الكويت أيضاً.

كانت الكويت في ذلك الوقت إمارة صغيرة غنية، سمحت للعديد من العراقيين والإيرانيين بالإقامة وبعض حقوق المواطنة، فضلاً عن العديد من أبناء الجنسيات العربية الأخرى الذين تواجدوا بها منذ سنوات طويلة. ومن بين هؤلاء كانت توجد نفوس ضعيفة يسهل شراؤها، خاصة أولئك الذين يشعرون بالدونية وبأنهم مواطنون من الدرجة الأدنى.

استطاع خازن أن يستثمر ذلك جيداً في شراء ذمم بعضهم، وحصل على معلومات دقيقة عن أنواع الأسلحة المتطورة في الكويت، ومخازنها، ونظم التدريب عليها، وعدد المنخرطين في الجيش الكويتي، وبعثات الطيارين في الدول المختلفة. وامتد نشاطه الأفعواني إلى دول الخليج العربي وإماراته الأخرى. فمكن بذلك ابراهام من تجميع ملفات كاملة، تحوي الكثير من المعلومات العسكرية والاقتصادية والتجارية عن الكويت ومنطقة الخليج.