تحصين بيروت والمدن الساحلية الإسلامية
ما كاد معاوية يظفر بالخلافة سنة 41 هـ 661م، حتى عمل على تدعيم الدفاع السواحل ومنذ أن كان عاملاً على الشام، قبل تقلده الخلافة، شعر بالخوف من غزوات الروم، فاستدعى قوماً من الفرس، ليستوطنوا الساحل ومنه بيروت، فذكر اليعقوبي:
{إن جبيل وصيدا وبيروت وأهل هذه الكور قوم من الفرس نقلهم إليها معاوية بن أبي سفيان}.
ولعل معاوية كان يهدف من وراء حركة التبديل السكاني، في بيروت والمدن الساحلية، إلى تمييع الشعور القومي عند سكان هذه السواحل الموالين للبيزنطيين، وحتى لا يننتفضوا مجدداً على المسلمين، كما حدث في مدينة الإسكندرية سنة 25 هـ 645م، وفي طرابلس التي أنتفضت عليه في أول خلافته، وتمكن بعض الروم من أهلها من ذبح عاملها، وإحراق قطع من الأسطول العربي الراسية في مينائها، لكن معاوية تمكن من القضاء على هذه الحركة. ولعل ذلك كان من الأسباب التي حملته على نقل جماعة من الفرس إلى سواحل الشام سنة 42هـ 662م ومن بينها بيروت وصيدا وجبيل، وكذلك طرابلس، وذلك لتأمين حماية هذه المدن من إغارات الأسطول البيزنطي، إذ أن الحمراء أي الفرس كما كانوا يُسمّون، {والذين ما زال شارع في بيروت يُعرف باسمهم الحمراء} أبرع في الحروب البحرية من العرب الذين برعوا في الحروب البرية.
ولعل معاوية كان يسعى أيضاً إلى تمكين الدفاع البري عن السواحل، ولحراستها من غزوات المردة بتشجيع من أباطرة بيزنطة، ولهذا السبب أستقدم الأمراء الأرسلانيين والتنوخيين، الذين حكموا بيروت والسواحل.
وهكذا حصّن معاوية الثغور الإسلامية على ساحل الشام، ومنها ثغر بيروت، وشحنها بالمقاتلة الذين يرابطون بها، ويتولون حراستها في المناظر والأبراج والمناور وأقطع من ينزل السواحل من المسلمين القطائع والأخاثد، مستهدفاً من وراء ذلك تشجيع المسلمين على ركوب البحر، وعلى هذا النحو أصبحت سواحل الشام مبثوثة بالقلاع والأبراج، التي كانت تشبه شيء بسور يمتد بحذاء الساحل، أو سلسلة متصلة من التحصينات التي ترابط فيها حاميات، تنقسم كل منها إلى مجموعات، وكل مجموعة {عرافة} تتألف من مائة رجل. وكانت هذه التحصينات مزودة في أعلاها بمواقيد يشعلها الحراس والقائمون بالدفاع عن الساحل عند أقتراب سفن الأعداء منه ليلاً.
وحظيت بهذه التحصينات سواحل بيروت وجبيل وطرابلس وعرقة وأنطاكية وصيدا في الشام، وكذلك سواحل الإسكندرية ورشيد والبرلس وتنيس ودمياط في مصر. وأصبحت بيروت مدينة حصينة.