الموعـد القاتـل

اتصل حسن بمودي على هاتفه السري :

Ø     أريد أن أراك لأمرٍ هام .

فوجئ مودي الذي ردّ معاتباً حسن بلهجة قاسية :

Ø     ألم أقل لك لا تستخدم هذا الرقم للاتصال بي إلا إذا كان الأمر طارئاً .

رد حسن :

Ø     الأمر هام و ضروري .

سأل مودي :

Ø     ألم تكن تستطيع الانتظار حتى موعد المقابلة في المكان السري بالقدس .

أجاب حسن بصوتٍ جعله يبدو جاداً جداً :

Ø     قلت لك الأمر ضروري ، و على أية حال لديّ معلومات تتعلّق بأمنكم يجب أن تعرفها و أنت حر … !

عندها قال مودي :

Ø     إذاً موعدنا غداً الخميس في الساعة والمكان المتفقان عليه للحالات الطارئة .

Ø     اليوم هو الخميس : 14/06/2001

ذهب حسن مبكراً لموعده مع مودي الذي عرف أن مكانه قرب النفق في شارع الستين الاستيطاني على مشارف مستوطنة (جيلو) جنوب مدينة القدس المحتلة ، لتزويد هذا العقيد بالمعلومات الخطيرة التي بحوزته عن العملية الفدائية التي خطّطت لها كتائب شهداء الأقصى .

و قال حسن لنفسه و كأنه يخاطب مودي :

Ø     كنت دائماً تفخر بأنك صفيت حسين و يوسف و أبو خليل ، و الآن جاء دورك أيها المصفّي ..!

وعندما اقترب من الشارع الذي أقيم لخدمة المستوطنين و ابتلع آلاف الدونمات المزروعة بالزيتون من أراضي الفلاحين العرب ، اختبأ بين شجيرات محاذية للشارع لم تطلها جرافات الاحتلال ، فبقيت شاهدة على عروبة هذه الأرض.

كان كلّ شيء بالنسبة لحسن يسير وفق الخطة الفدائية التي وضعها مع رفاقه ، وعندما اقتربت سيارة مودي الفوكس فاجن الحديثة ، تقدّم حسن وهو يخفي شيئاً في يده و ما إن فتح حارس مودي الباب ليصعد حسن ليذهب معهم لمكتب مودي في مقر المخابرات ، ليقدّم التقرير الهام ، حانت بالنسبة لحسن اللحظة الفارقة التي عاش أشهراً لأجلها و أيقن أن ذكاء الحق سينتصر الآن على تكنولوجيا الباطل ، فأشهر مسدسه وفي ثواني كان يطلق رصاصات قاتلة على مودي فأرداه قتيلاً على الفور ، و قبل أن ينتبه حارسه على المفاجأة ، أطلق حسن رصاصتين في رأس و رقبة الحارس ، الذي لم يقتل ، وبسرعة عاد حسن أدراجه ، إلى حيث أتى بعد أن نفّذ الخطة ، دون أن يدري أن مودي كان معه حارسٌ ثانٍ يجلس في المقعد الخلفي و لم يتمكّن حسن من تمييزه بسبب زجاج السيارة الأسود الذي يجعل من بداخل السيارة يرى ما يجري خارجها دون أن يتمكّن من يقف خارجاً من رؤية من بداخل السيارة .

ولم يحرّك الحارس الثاني ساكناً إلا بعد أن رأى حسن يعود أدراجه ، فأطلق النار عليه من الخلف فسقط حسن على الأرض ، بعد أن أبلغ مودي بطريقته عن العملية الفدائية التي خطّط لها منذ شهور .

وخلال لحظات كانت أجراس الإنذار الحمراء تدقّ في مكاتب رئيس جهاز (الشاباك) و أجهزة المخابرات الصهيونية الأخرى ، و في مكتب رئيس الدولة و رئيس الوزراء و رئيس الأركان ، لتنقل الخبر الصاعق و هو مقتل العقيد (يهودا إدري) .

واتفق أمير الظلام مع المسؤولين الآخرين على صيغة لنشر الخبر وهي أن ("مخرّباً" قام بتصفية ضابط المخابرات الذي يشغله غدراً ، و إصابة حارسه بجراح خطيرة و أن الحارس الثاني تمكّن من قتل "المخرّب") .

وسارع كبار المسؤولين في دولة الكيان الصهيوني إلى مكان الحادث و توجّه الجنرال (موفاز) قائد الجيش الصهيوني إلى منزل العقيد مودي ليقدّم التعازي لوالده و شارك (موفاز) و كبار ضباط جيشه و مخابراته في تشييع مودي إلى مقبرة جبل (هرتزل) في القدس المحتلة و الدموع تملأ أعينهم لهذا الاختراق للجهاز الذي قال عن نفسه إنه من أقوى أجهزة المخابرات في العالم .

ميرفت و حسن

بعد قليل من الحادث كان رفاق حسن و جماهير غفيرة بدأت تتوافد على منزل حسن في مخيم (بيت جبرين) ، فرغم أن أجهزة المخابرات الصهيونية لم تعلن اسم الضابط القتيل أو اسم الذي قتله ، إلا أن جميع المعلومات كانت لدى الكتائب ، فهي تعرف من هو مودي وأن الذي صفاه هو (أسد الكتائب) حسن أبو شعيرة ، كما أطلق على حسن . و أصبح أفراد الكتائب مصدر المعلومات الموثوق لوكالات الأنباء العالمية التي انشغلت بالنبأ الصاعق على أجهزة مخابرات الاحتلال .

في مخيم (بيت جبرين) بدأت المفاجأة على أسرة حسن ، كانت الأخبار تأتي تباعاً ، و لكن الخطأ الذي ارتكبه رفاق حسن ، رغم جهدهم الاستخباري والتدريبي الذي يثير الإعجاب، فهو تصديقهم لرواية المخابرات الصهيونية حول مقتل حسن ، ويبدو أنهم من خلال رصدهم للعملية شاهدوا حسن و هو يسقط برصاص الحارس الثاني ، فاعتقدوا بأنه استشهد ، مع أنه في مثل هذه الحالات وبغياب رواية صادقة أو مستقلة ، فلا يجب أبداً الركون إلى روايات مخابرات معادية .

المهم بينما كان الحزن والصدمة تعلو وجوه مسئولي المخابرات الصهيونية ، كانت الجماهير التي هبّت إلى منزل حسن تشعر بسعادة لما قام به من أجلهم ومن أجل وطنه .

وأقيمت لحسن خلال الأيام التالية مهرجانات وطنية و ألصقت صوره على الجدران وطبعت على القمصان و أصبح اسمه على كل لسان كبطل يحتذى ، وكان الجميع في انتظار تسلم جثمان حسن الذي سلّم لأهله بعد 12 يوماً من العملية، وتبيّن بعد فحص الجثمان، خطأ تسرّع الكتائب بتصديق الرواية الصهيونية حول مقتله ، لأن الشواهد تدلّ على أن حسن اعتقل بعد إصابته وتعرّض لتعذيب قاس، فهناك حروق على الجثمان وأحشائه مفقودة وتم فقأ عينه اليمنى وأصابعه مقطعة وهناك آثار لسبع رصاصات أطلقت على رأس حسن من نقطة صفر .

ونقل جثمان حسن بالزغاريد إلى مثواه الأخير لدفنه بجانب قائد الكتائب الشهيد حسين عبيات ، ورأى المشيّعون زوجة حسن وهي تتقدّم وتحمل في نعشه بدون أن تذرف أية دمعة وتهتف بحياته وحياة جميع الشهداء ، وبجانبها تسير ابنتها ميرفت .

وبعد الجنازة و في ساحة المخيم الذي ولد فيه حسن مشرداً عن بلدته الأصلية  وقفت ابنته ميرفت تمسك الورقة التي خطّها واطمئن عليها ليلة ذهابه لموعده مع ضابط (الشاباك) و لم تكن إلا وصيته ، و تلتها ميرفت بصوت واثق و هي ترتدي قميصاً عليه صورة والدها الشهيد :

(بسم الله الرحمن الرحيم)

وداعاً يا دنيا، إلى الذين يريدون معرفة الحق و فتح أبصارهم على النور و إنقاذ أنفسهم من أن يكونوا فرائس سهلة بين أنياب و مخالب هذه الدنيا ، أقول ضارعاً إلى الله عز وجلّ أن يتقبل منا و أن يجعله في ميزاننا يوم القيامة و أن يكون خالصاً لوجهه و أن ينفعنا و ينفع بنا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .

أما بعد ... فأنا حسن سعيد أحمد حسن أبو شعيرة من سكان مخيم العزة أبلغ من العمر 32 سنة متزوج و يوجد لديّ أطفال (3) أرجو من الله أن لا ينساهم أحد من الشرفاء ومن أهلي العظام في هذا المخيم من بعدي ، أهلي سوف أقوم بكلّ فخر بعمل بطولي في سبيل الله والوطن وفي سبيل شهداء الأقصى وأثأر لكلّ شرفاء فلسطين ومن هنا أقول إلى أهلي وجيراني المناضلين وأبناء هذا المخيم المناضل أن يستمروا في مسيرة الكفاح حتى النصر و يرجع الحق إلى أهلنا بإذن الله و أقول حسبنا بالله ونعم الوكيل ..

أهلي الكرام أبناء عمّي أجمعين .. أنتم من جعلني بكلّ فخر واعتزاز أن أكون بطلاً من أجل هذا الوطن وبهذا أقول سوف أقوم بعملٍ بطولي في أقرب وقتٍ ممكن .. يا رب بأن يكون هذا مشرّفاً لكم ولكل فلسطيني ، لا تنسوا أبنائي يا أهلي من بعدي حتى أطمئن في قبري ..

وأخيراً أقول :

بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى:

(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)

صدق الله العظيم ...

أخوكم : حسن سعيد أبو شعيرة

في حركة فتح أنا شهيد أنا شهيد يا رب يا رب في سبيل الله و فلسطين الأقصى في دمي وداعاً.

5/6/2002
وأصبح حسن نموذجاً ومثلاً ، وكتب رفاقه الذين تابعوا العمل من بعده على صورة جدارية كبيرة له في مدخل المخيم الذي ولد وعاش فيه بعيداً عن بلدته الأصلية المدمّرة :

 (إن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقّي)

عودة لصفحة الجاسوسية