أمير الظلام
وعندما تأكّد مودي أن (أبو خليل) في تلك الليلة في المنزل ، أعطى الإشارة إلى وحدة الاغتيالات الخاصة بتنفيذ الخطة ، و أمضى أفراد تلك الوحدة ليلتهم في الجبل البعيد المقابل لمنزل (أبو خليل) الذي عندما خرج صباحاً من منزله ، كان أفراد هذه الوحدة المتخفّين يطلّون برؤوسهم من الخنادق التي حفروها في الجبل يطلقون العيارات النارية من الرشاشات الثقيلة ليسقط (أبو خليل) أخيراً أمام عيني ابنته الصغيرة .
وجعل هذا النجاح مودي يبدو مغروراً خصوصاً بعد الثناء الذي كان يلقاه من رئيسه في الشاباك (آفي ديختر) ورئيس دولة الكيان الصهيوني ورئيس وزرائها و قائد جيشها .
ولكن رغم هذا النجاح إلا أن الانتفاضة كانت تسير بخطى واثقة و العمليات الفدائية مستمرة ، وكان على مودي أن يحاول اختراق مجموعات المقاومة و لهذا ذهب إلى حسن بعد أن درس ملفّه بالطبع ، و عرف أنه كان نشيطاً في العمل الفدائي ثم ها هو يراه مبتعداً عن العمل الفدائي و يعمل عملاً شاقاً في فندق و لا بد أنه بحاجة للنقود .
قال مودي لحسن :
Ø كما تعلم فإننا نعرف كل شيء عنك : عندما عملت في السابق مع (المخرّبين) ، تمكّنا من القبض عليك و سجنك أكثر من مرة .. !
فأجابه حسن :
Ø ما دمتم تعرفون كلّ شيء ، فإنّكم لا بد تعرفون أنني تركت كلّ شيء و أهتم فقط بتوفير لقمة الخبز لأبنائي في هذه الظروف القاسية .
ردّ عليه مودي :
Ø قلت لك نعرف كلّ شيء عنك ، و لهذا نريدك أن تساعدنا في القبض على (المخرّبين) .
أجابه حسن بلهجة حازمة و واثقة :
Ø لقد تركت العمل المقاوم و لا أعرف أي شيء ، و لا أستطيع مساعدة أحد سواء كنتم أنتم أو غيركم .
قال مودي بلهجة تهديد :
Ø لك زوجة و أبناء ينتظرون عودتك كلّ يوم ، و إذا لم تعمل معنا ، فأنت تعرف بأننا نستطع قتل زوجتك و أطفالك ، مثلما فعلنا ذلك كثيراً ، فاعمل معنا أحسن لك ..!
وتراجع مودي عن لهجته السابقة و قال بتودّد :
Ø .. و إذا عملت معنا لن نبخل عليك ، و بدلاً من أن تفقد أطفالك ، سنعطيك مالاً لتصرف عليهم ..!
وتكرّرت الضغوط من مودي على حسن الذي بدا له عرض مودي مفاجأة محزنة له ، إلا أنه فكّر أن يجعل الأمر مختلفاً و يقلب السحر على الساحر ..!
وبعد أشهر من مجاراة مودي و إيهامه بأنه يعمل معه ، قال له مودي :
Ø يا حسن أنت من أفضل عملائنا ، و أثبت إخلاصك و نرجو أن تستمر بالعمل معنا بهمة عالية و نحن لن نبخل عليك بأيّ شيء تطلبه .
وكان ذلك يعني أن حسن استطاع أن يكسب ثقة مودي ، و أن هذا لا يشكّ في حسن ، لذلك كان فرحاً في ذلك المساء عندما عاد إلى منزله .
رفاق حسن
كان حسن يعرف أن للعقيد مودي عيون من العملاء ترصده لتنقل تحرّكاته إلى مودي فضاعف عمليات التمويه بعد أن تلقّى عرض الخيانة .
فعندما يعود إلى منزله ينزل من السيارة على بعد مائة متر من المكان الصحيح و يسير مشياً و هو يراقب إذا كان أحد يتبعه ، و يسقط من يده جريدة يحملها و عندما ينحني لالتقاطها عن الأرض يتلفّت يميناً و يساراً ، ثم يقف أمام دكان (أبو محمد) في مدخل المخيم ، ويدردش مع أبي محمد و هو ينظر حوله ليتأكّد إذا كان مراقباً أم لا ، و يصل إلى بيته بعد أن يدور في أزقة المخيم ، وكلّ فترة و أخرى يطلّ من شباك المنزل على الشارع ، دون أن يلحظه أحد ، ليرى إذا كان يقف هناك أي من المخبرين الذين يعملون مع مودي .
واتخذ إجراءات مشابهة لدى خروجه من منزله و ذهابه إلى أي مكان يريده ، و عندما كان يجد شخصاً يتبعه ، يدخل في أزقة المخيم التي من الصعب أن يعرف أسرارها إلا من يسكن المخيم ، ويخرج من مكان آخر تاركاً المخبر ضائعاً في الأزقة والزواريب .
واستطاع تضليل عيون المخابرات و الالتقاء بشباب كتائب الأقصى وروى لهم ما حدث معه و قدّم اقتراحه ، ورغم المفاجأة لدى شباب الكتائب إلا أنهم بعد التفكير باقتراح حسن ودراسته من كل الجوانب، فرحوا بما نوى عمله حسن ولم يضيّعوا وقتا، أعطوه مسدساً ، وبدأ حسن بالتدريب في ظروف بالغة السرية لتحقيق نصرٍ طالما تمنّاه وتمنّته الكتائب على ذكاء المخابرات الصهيونية .
ومع توالي الأيام و تضليل العقيد مودي من قبل حسن ورفاقه بخطة محكمة، وذلك بتزويده بتقارير مزيّفة عن العمل الفدائي ولكن فيها بعض المعلومات الصحيحة التي لا تضرّ لكسب ثقته، وفي ظروف صعبة للغاية كانت السيطرة العسكرية والأمنية على الأراضي الفلسطينية فيها لـ مودي وجهازه ، تم تحديد ساعة الصفر وأمضى حسن ليلته تلك مع أبنائه.
و قال لميرفت :
Ø أنت الكبيرة يا ميرفت ، يجب أن تضاعفي اهتمامك بإخوتك ..
ردّت ميرفت :
Ø أحبهم يا أبي كما أحبك و أحب أمي ، و أحاول دائماً أن أوفّر لهم ما يطلبون .
حضن حسن ابنته و قال :
Ø أعرف أنك كبرت يا ميرفت قبل الأوان ، و أنا أعتمد عليك و أحبك كثيراً ..
وقبل أن يخلد إلى النوم اطمئن على ما كان كتبه ، قبل أيام ، من كلام في ورقة صغيرة و أخفاها في المنزل .