جب النخل وجل البلح
النخلة صديقة البيروتي كالجمّيزة والخروبة. ويستدل على قدمها من حرص الآباء والأجداد على غرس نخلة في حدائق دورهم تيمناً بالحديث الشريف (أكرموا النخلة). وإرثاً عن أسلافهم الذين قدموا من جزيرة العرب وأحضروا معهم شتائل النخيل من تذكارات الأوطان مثلما أهاجت شجون فاتح الأندلس عبد الرحمن الداخل إبن دمشق، نخلة واحدة كان قد حملها من الشرق وزرعها في قصره الذي حمل اسم (الرصافة) في الأندلس متذكراً من خلالها غربته التي شابهت ما لدى النخلة الغريبة المنفردة في حديقته فقال:
تبدت لنا بين الرصافة نخلـــــةٌ تناءت بأرض الغرب عن بلد النخلِ
فقلتُ شبيهتي في الغرب والنـــوى وطول التنائي عن بنيَّ وعن أهلـي
نشأتِ بأرض أنتِ فيها غريبــــة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلـي
شقتْك غوادي المُزْن من صوبها الذي يسحّ ويستمري السماكين بــالوَبْلِ
ولعل النخلة كما قيل ترمز إلى البادية، وتعتبر الشجرة اللصيقة بذاكرة العربي بدءاً من مرابعه الأولى في شبه الجزيرة إلى مرابعه المستجدة مع الفتوح فيخاطبها عبد الرحمن الداخل قائلاً:
يا نخلُ أنتِ غريبةٌ مثلي في الغرب نائيةٌ عن الأصلِ
فابكي وهل تبكي مُكَبَّسَة عجماءُ لم تُطبع على خبـلِ
أما مدى محلة جب النخل المذكورة أعلاه فيتضح من الوثيقة المؤرخة في الخامس عشر من شهر صفر سنة 1307هـ الخاصة بعقارات ملك الأمير سعيد إبن الأمير حسن رسلان وهي قطعة أرض بمحلة جب النخل في رأس بيروت يحدها قبلة وغرباً ملك فَضِيِلتْلو الشيخ عبد الرحمن النحاس قائمقام نقيب الأشراق في بيروت إبن الشيخ عبد القادر إبن حسن النحاس وشمالاً حسن بن حمّود بن قاسم مياسه وشرقاً ملك إبراهيم بن عبد الله بن قاسم مياسه، وكذلك قطعة الأرض الملك الكائنة بالمحلة المذكورة يحدها قبلة علي بن مصطفى بن يحيى شاتيلا وشمالاً ملك أحمد أفندي إبن محمد بن عبد الرحيم الصلح وشرقاً ملك محمد أفندي إبن الحاج عبد الله أفندي إبن حسين بيهم وغرباً بعضه ملك قاسم بن مرعي بن قاسم مياسه المذكور وبعضه شاطئ البحر. وجميع قطعة الأرض الملك الكائن في المحلة المرقومة يحدها قبلة ملك الحاج سعد الدين بن يحيى بن مصطفى شهاب وشمالاً وغرباً شاطئ البحر وشرقاً الطريق السالك الآخذ إلى نهر أبي شاهين.
كما وردت الإشارة إلى جل معروف (جل البلح) الكائن في محلة ميناء الحسن ... والمشتمل على أغراس متنوعة وعمار قبو فوقه عليّة، ذكر هذا في الوثيقة المؤرخة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 1279هـ.