رسالة إلى القمة العربيّة
القمة العربيّة ورياح التغيير:
يبدو للمراقبين ان الاهتمام بالقمة العربية الدورية، هو اهتمام هامشي، بالرغم من ان
بعض الدول العربية قدمت اوراقا تضمنت رؤيتها <<لإصلاح>> العمل المشترك، وهي أوراق
طغى عليها، فجأة، مشروع طاغ، صدر عن القطب الأوحد، وحمل اسم <<مشروع الشرق الأوسط
الكبير>>، بحيث بات هذا المشروع وفي ذلك وجه حق محل الاهتمام..وليس تلك الاوراق
التي تقدمت بها بعض الدول مشكورة.
الاهتمام الهامشي، بالقمة الدورية، له بعض أسبابه، على مستوى الرسميات العربية، فهي
في موقف لا تحسد عليه، وإن كان بعض منظري حلقات الرأي في بعض الفضائيات يقولون:
إنها، اي الرسميات، هي التي أوصلت حالها الى ما نراه راهنا، ويحملون الأمة، بأنها
هي التي سكتت عليها لأنها وجدت نفسها محشورة بين أوراقها، وبين ما جاء من علٍ،
والوضع العام لا يسمح للرسميات العربية ان ترفع عينها، وليس صوتها، لمن هو في موقع
السيد المطلق الصلاحية.
خاصة أننا في عام توقع غير المتوقع.. لأنه، على غير العادة، عام يحتاج فيه الرئيس
جورج بوش المتطلع لتجديد ولايته في البيت الأبيض، الى دوي وضجيج يصاحبان عملياته
<<التأديبية>> التي اجتاحت العالم، وتتركز حاليا كمنخفض جوي عاصف فوق الشرق الأوسط
في حجومه المختلفة.. الصغيرة والمتوسطة، والكبيرة، وفي الأساس فوق <<رقعة العرب>>.
بعض تصريحات لمسؤولين عرب.. حال نشر المشروع القادم من السيد الأوحد جاءت من
المصادفات الاعلامية.. وليس كدراسة وموقف.. وحتى الأمانة العامة لجامعة الدول
العربية، التي كان عليها دراسة المشروع والرد عليه، أقله لتبيان مخاطره وأهدافه،
ايجابياته، سلبياته، ولتكون قاعدة لموقف رسمي عربي، حتى هذه الأمانة، تلطت وراء
تصريحات وزراء خارجية عرب، ولم تعمد الى التدقيق في المشروع، لعلها شعرت بضعفها في
هذه الايام اكثر من اي وقت مضى، او لعلها شعرت ان مشروع واشنطن قطع عليها الطريق
وهي التي تمنت على الأنظمة العربية تقديم اوراق <<إصلاح>> العمل العربي المشترك.
في
كل الأحوال، فالدوامة ترجع بنا الى البدايات.. التي انطلقت منها، وهي ملاحظة عدم
الاهتمام الجدي، اعلاميا، ورسميا، كتابات، او تحليلات في كل ما يتعلق بالقمة
العربية الدورية. هل السبب هو ما شكله المشروع الاميركي، من حركة اعتراضية، ساهمت
في إغلاق باب النقاش الذاتي، العربي الرسمي، والشعبي العربي في القمة الدورية..؟ أم
ان السبب.. هو المستجدات التي جاءت بها عملية احتلال العراق وتفاعلات ذلك، رسميا
وشعبيا..؟
اي نكوص هذا الذي ينتاب او يجتاح بعض الأكاديميين الذين أطلوا عبر شاشات الفضائيات
وصنفوا الناس في خانتين، وفق أداة قياس المشروع الاميركي للشرق الأوسط.. فجعلوا:
الذين يناهضون هذا المشروع، ولا يجدون فيه اي ايجابية.. أنهم <<كتاب البلاط>>
وأقلامهم تدافع عن استمرار الاستبداد.. وهذه خانة اولى.. أما الذين يطالبون بألا
يخلط شعبان برمضان وان ينظر للوطن العربي، كوطن عربي، دون امتدادات المشروع
الاميركي، وينادون بأن يأتي الاصلاح ذاتيا ومن خلال عملية اصلاح، شاملة لا تتدخل
فيها الدبابات الاميركية ولا حاملات طائراتها ولا قوالبها الجاهزة في التعليم،
وحقوق المرأة، والدين.. فهؤلاء يصنفون، حسب أداة القياس المنوه عنها، بأنهم ينتظرون
<<غودو>> الى آخر الزمان، وهذه هي الخانة الثانية.
كأن الغلبة كما يلاحظ في إعلامنا الفضائي مالت الى كفة <<الأكاديميين المثقفين
الكتاب المحللين>> الذين يقيمون في بلاد العم سام او في اوروبا، او في الغرب
عموما.. او كأن وهذا الاهتمام الهامشي بالقمة العربية، يشكل بعض دليل النكوص عام
شامل.. في الوطن خاصة، مع حالة اليأس السائدة، بحيث غابت الكلمة التي يجب ان تقال
في وقتها.. وقبل فوات الأوان؟
القمة العربية
بداية، نسارع للقول، ان هذه القمة، تختلف عن سابقاتها.. وتكاد تشبه قمة واحدة، مع
التفاوت بالدرجات، هي قمة الخرطوم التي أعقبت هزيمة يونيو 1967 برغم ان بعض
الرسميات كانت في موقع الشامت، إلا أنها جميعا، حين التأم الجمع.. شعرت بفداحة ما
حصل. جمال عبد الناصر، كان حاضرا.. وشكل من بين الأنقاض رافعة استطاعت، ولو معنويا،
ان تتجدد، او ان تحدد خطوات ما بعد الهزيمة.
أما الآن.. ورغم ان البعض، يشعر، لا بالشماتة فحسب، بل بالانتصار على صدام حسين
القابع في سجنه يفتح فاهه للطبيب المجند الاميركي، إلا ان الجميع وفي العمق، يشعر
بالهزيمة.. لأن لا قطر عربيا، فوق رأسه خيمة وإن توهم البعض ذلك ظرفيا.
القمة العربية.. مكانا وزمانا ونتيجة للتداعيات العربية، ستكون لها أهمية خاصة، بل
ستعد من القمم التي لن تكتفي بحمل اسم مكان انعقادها، وهي القمة لن تكون <<وسطية
النتائج>>.. بالرغم من الهامشية الاعلامية التي تسود حتى الآن.. فالقمة ستكون مضطرة
لسلوك أحد نهجين:
نهج التسليم بفشل العمل العربي المشترك، بمظهريته وبهلاميته وركاكته وعدم جديته..
ويلي ذلك الانكفاء الى ما وراء <<القطرية>> والذاتية..
نهج التماهي مع ما يطرح او يفرض من مشاريع اميركية لا يمكن تجاهلها خاصة في ما لو
انضمت الى تأييد هذه المشاريع دول القرار في الاتحاد الاوروبي مع ظهور مؤشرات تدل
على ذلك والتماهي مع هذه المشاريع قد يأخذ احد مسارين:
*مسار الأخذ بهذه المشاريع كما هي، او كما تفرض.
*مسار تبني فكرة المزاوجة بين الاوراق العربية المقترحة حتى كتابة هذه القراءة،
بلغت سبع ورقات للخروج بورقة واحدة تلتقي في مفاصلها الأساسية مع المشروع الاميركي،
ايضا في مفاصله الأساسية. ليس امام القمة العربية سوى ما ذكرناه، وأما ما يصدر عن
بعض الرسميات من ان القمة القادمة، استحقاق لا بد منه، لكنه يمرر حبيا كما شأن
الرسميات سابقا... لكن هذا الرأي يغيّب عن سابق تعمد المتغيرات العاصفة التي شهدها
الوطن العربي ما بين القمة العربية التي سبقت احتلال العراق والقمة القادمة، فضلا
عن أن هذا الرأي، يحاول ان يتجاوز ما يجري على الارض الفلسطينية من قتل يومي
واستفراد وحشي بالشعب الفلسطيني.
ليس من قبيل المصادفة، ان يتزامن اعلان تونس عن استعدادها لاستضافة القمة العربية،
وتوجه رئيس الجمهورية التونسية بعد ذلك الى واشنطن للقاء الرئيس جورج بوش الابن...
ذلك اللقاء الذي اخذ حيزاً ملحوظا في وسائل الاعلام الاميركية والعالمية... حيث
سلطت الاضواء، على ما قاله الرئيس بوش للرئيس زين العابدين بن علي... ثم ليس صدفة،
ان يأتي ضمن التزامن نفسه اعلان المشروع الاميركي لما سمي <<الشرق الاوسط الكبير>>
مع ملاحظة ان المشروع برمته سيقدم اميركا لقمة الدول ال8 المزمع عقدها في يونيو
2004 وان اعلانه او نشره او تسربيه جاء قبل 4 اشهر عن موعد التقديم الرسمي... ليكون
في مواكبة التحضيرات التي تعد لعقد القمة العربية.
المشروع الأميركي
هذا العنوان الفرعي، لا يرمي الى دراسة تفصيلية للمشروع الاميركي <<للشرق الاوسط
الكبير>> بل يرمي للتقرب من المشروع باعتباره يتوجه الى مجموعة ال8 ويمهد لقمتها،
بسلسلة خطوات منفردة، قبل قبول تعديلات اوروبية مفترضة. وبمعنى آخر، فإن المشروع
الاميركي للشرق الاوسط الكبير، لم يعد ورقة نظرية... بل خطوات تدب على الارض، بعض
هذه الخطوات يقترب من ايقاع مؤسسات المنطقة، واهمها القمة العربية، وبعضها الآخر،
يتسلل، الى تركيبة مؤسسات القطرية العربية، عملياً.
وبين هذا وذاك... تستمر اميركا في عاداتها او نهجها... تبادر او <<تفرض>> منفردة...
ثم تجعل الآخرين خاصة اوروبا يهرولون لاهثين في محاولة للانضمام، الى ما يكون قد
<<فرض>>.
هذا لا يعني الاستسلام المطلق <<للقدر>> الاميركي، لكنه في الآن معاً، يجب ألا يقود
الى استخدام مفردات الحماسة التي قد تطغى على رؤية متبصرة لما يخطط لحاضرنا
ومستقبلنا ليس كعرب فقط... بل لما هو اوسع من دائرة نفوذ قد تضع كل سلة الطاقة
العالمية بقبضة هيمنة الاقوى...
أوراق عربية
قد
يكون المشروع الاميركي <<للشرق الاوسط الكبير>> اكثر حظاً من غيره من المشاريع من
حيث الاهتمام الاعلامي وقوة الانتشار، ولهذا فقد غيّبت اقتراحات او مشاريع اخرى
سبقت المشروع الاميركي، واهمها مقترحات اوروبية ترسم استراتيجية تعاون مع الوطن
العالم العربي قام مبعوثون اوربيون بتسليمها لمن يهمه الامر عربيا مع بدايات العام
2004.
وبالمناسبة، فقد استخدم الاقتراح الاوروبي اصطلاح <<الشرق الاوسط الموسع>> تماماً
كالمشروع الاميركي الذي استخدم اصطلاح <<الكبير>>، ولاحظت الاقتراحات الاوروبية
<<ضرورة ايجاد حل نهائي للصراع العربي الاسرائيلي لانه بدون هذا الحل ستتضاءل الفرص
لايجاد حلول نهائية للمشاكل الاخرى في الشرق الاوسط>>...
الاقتراح الاوروبي، توجه بالخطاب وكذلك الاوراق، الى الرسميات العربية وعبر القنوات
الرسمية والاتصالات والزيارات الرسمية... بينما جاء المشروع الاميركي متوجها
بالخطاب لمجموع الثماني... وكأنه يريد القفز عن الارادة العامة للرسميات والأمة...
او كأنه يريد القول إنه نفض اليد من امكانية التغيير الذاتي لذلك لجأ الى الحشد
الخارجي.
هذا <<الزخم>> او هذا <<الاصرار>> او هذا <<الهجوم>> لضرورة التغيير في الوطن
العربي... الآتي من <<الخارج>> من الاصدقاء القريبين (الاتحاد الاوروبي) او من
السيد الاقوى (الولايات المتحدة)، هو الدافع <<لتنشيط>> بعض الاقطار العربية لتقديم
اوراق عربية بعضها يحمل ما يمكن ان يسمى <<اقتراحات>> بالتغيير، وبعضها الآخر يسعى
لطرح مشكلته القطرية مغلفة بتعابير قومية...
الاجتماع الوزاري، لوزراء الخارجية العرب، مطلع مارس نظريا، يمكن اعتباره من اهم
الاجتماعات التي عقدت على هذا المستوى، ايضا بسبب الظروف التي جاء بها احتلال
العراق اميركيا ... وبسبب هذا <<الهجوم>> الدولي في المطالبة بالتغيير... قبل ايام
من الاجتماع الوزاري، صدر عن قمة مصرية سعودية بيان مشترك، شكل تمهيدا او ارضية لما
يمكن ان يتجه اليه وزراء الخارجية العرب، خاصة في فقرتين:
ان الاهتمام بتحقق الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط <<يستلزم ايجاد حلول عادلة
ومنصفة لقضايا الامة العربية والاسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقضية
العراق>>.
ان الدول العربية <<تمضي على طريق التنمية والتحديث والاصلاح، بما يتفق مع مصالح
شعوبها وقيمها وتلبية لاحتياجاتها وخصوصيتها وهويتها العربية>>.
وفي عودة الى الاوراق العربية المقترحة... نتوقف عند اوراق ثلاث، حملت اقتراحات
عملية وآلية تنفيذ معقولة: الورقة المصرية، الورقة اليمنية وورقة الجماهيرية.
تتفق هذه الاوراق على ضرورة تفعيل العمل العربي... وتتجه باقتراح التفعيل الى محطات
او عتبات، وتنسق في ذلك ضمن مرحلية لكل محطة او عتبة يتم تحقيقها لمزيد من التفعيل
او الانتقال التدريجي الى المحطة التي تليها.
وقد تكون الورقة الليبية، الاكثر استجابة لطموح التغيير الذاتي ولضرورات تفعيل
العمل العربي، بل يمكن القول ان الورقة الليبية، هي ورقة تجدد الرؤية التي حاول
العقيد معمر القذافي طرحها في معظم القمم العربية الاخيرة.
تبدأ الورقة الليبية، بميثاق جامعة الدول العربية حيث ترى ورقة الجماهيرية أن يعدل
بحيث يصير <<ميثاق الاتحاد العربي>> الذي يتألف من الدول العربية المستقلة الموقعة
على هذا الميثاق، ولكل دولة عربية مستقلة الحق <<في ان تنضم الى الاتحاد العربي>>.
اي
ان الانضمام للاتحاد اختياري ووفق رؤية تتفهم الحاضر والمستقبل وهذه هي الارضية
التي تنطلق منها ورقة الجماهيرية... بأن حاضر الأمة واحد، ومستقبلها واحد وان ما
يهددها هو الانكفاء، وما يمكن ان يصد عنها الخطر هو العمل العربي المشترك والتقدم
العربي المشترك في خطوات واثقة نحو اطار عربي مشترك يتجاوز ما هو معمول به في اطار
جامعة الدول العربية... ويكاد يقترب من نموذج الاتحاد الاوروبي، الذي حقق لاوروبا،
وفق برنامج مرحلي مدروس لا يخلف اي توجس لأي دولة اوروبية بأن حقها سيهضم او ان
هويتها الذاتية ستضيع وصولا لما وصلت اليه اوروبا الآن... حيث تتقارب في كل شيء الى
درجة النظر اليها سياسيا واقتصاديا كجسد واحد، يبشر بتعدد الطرف، في عالم يتعذر فيه
تعدد الاقطاب.
واخيراً، وليس آخراً... ندعو الى الاهتمام بمجريات الامور داخل اجتماع مجلس وزراء
الخارجية العرب... ومتابعة كل ما يسبق القمة العربية والتدقيق في مجرياتها و...
النتائج.
|