آلعبد العال

لهم إسهامات جهادية وعلمية واقتصادية وإجتماعية وسياسية

من الأسر الإسلامية البيروتية واللبنانية والعربية، تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي توطنت في مصر وفلسطين وشرقي الأردن وسوريا ولبنان. وما تزال هذه الأسرة منتشرة في كثير من البلاد العربية لا سيما في فلسطين، وكان لها إسهامات جهادية وعلمية واقتصادية واجتماعية وسياسية.

وكانت أسرة عبد العال من الأسر المهمة في عكا في فلسطين بدليل أن مفتي بيروت الشيخ عبد اللطيف فتح الله (1766-1844) قد اهتم في ديوانه بتاريخ وفاة الشيخ أحمد عبد العال من قرية الشيخ داوود الشهيرة خارج مدينة عكا. وقد أرسل رسالة تعزية لابنه فخر الأغوات الكرام مصطفى آغا عبد العال الشهير بصهر الأفندي، المرحوم حافظ أحمد أفندي (ديوان المفتي عبد اللطيف فتح الله، جـ2، ص 894).

هذا، وقد أشارت سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة إلى أسرة عبد العال، مما يؤكد وجودها في بيروت المحروسة في العهد العثماني. كما أشار سليم علي سلام (أبو علي) في مذكراته إلى السيدين أحمد عبد العال وخليل عبد العال باعتبارهما من مؤيدي الدولة العثمانية خلال أحداث عام 1913. كما عرف من الأسرة في العهد العثماني السيد صالح عبد العال باش كاتب (رئيس الكتبة) في محكمة الاستئناف في ولاية بيروت، كما أشارت وثائق «الفجر الصادق» إلى تبرع إبراهيم آغا عبد العال (الجد) عام 1297هـ-1880م إلى دعمه لجمعية المقاصد والتبرع لها، غير أن الأسرة ارتبط اسمها في التاريخ الحديث والمعاصر باسم المهندس المبدع المرحوم إبراهيم عبد العال صاحب أهم المشاريع المائية والهندسية في لبنان، وقد قامت بلدية بيروت بتكريمه بإطلاق اسمه على شارع مهم في بيروت في منطقة البسطة التحتا، كما أطلقت اسمه على ساحة بالقرب من جامع بوبس (تقاطع سبينس – بوبس)، وهي الساحة التي سيرفع فيها نصب تذكاري له.

كما أن مجموعة من البيارتة واللبنانيين أسسوا جائزة خاصة باسم المهندس إبراهيم عبد العال يرأسها الوزير الأسبق المهندس محمد غزيري.

ولا بد من الإشارة إلى أن أسرة عبد العال انتشرت في العهد العثماني كبقية الأسر العربية في ولايات عثمانية عديدة. من بين هؤلاء الموسيقار إبراهيم عبد العال من مواليد المنصورة في مصر عام 1907، والده الموسيقار عبد الله الجرشة. تنقلت العائلة بين مصر وحلب والقدس ودمشق وبيروت.

أما أولاد إبراهيم فهم: الموسيقار العالمي المتميز عبود عبد العال (1935-2009) المتوفى في لندن في 6 نيسان 2009، الذي أسهم إسهامات موسيقية عربية وشرقية وعالمية، عاش في بيروت لعقود طويلة إلى أن هاجر إلى أوروبا بعد اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، واستمر في لندن تحديداً إلى وفاته عام 2009. أشقاؤه السادة: منير، فؤاد، نبيل، بشير، محمد وكلهم عملوا في الموسيقى باستثناء شقيقهم فوزي. (أنظر فاروق الجمال: عبود عبد العال الذي غاب، اللواء، 28 تموز 2009).

عرف من الأسرة في التاريخ الحديث والمعاصر السادة: إبراهيم، أحمد عثمان، أمين، خليل عثمان، فرحان، محمد جمال، محمد علي، محيي الدين، مرعي، ياسر، يحيى، يونس أمين عبد العال وسواهم.

برز في العهد العثماني الحاج خليل عبد العال أحد رجالات العهد العثماني في بيروت المحروسة الذي أنجب أحد مبدعي بيروت ولبنان والعالم العربي المهندس المبدع إبراهيم عبد العال من مواليد بيروت المحروسة عام 1908. تعلم منذ الصغر في كتاتيب بيروت ومدارسها، ما لبث والده أن انتقل والعائلة إلى دمشق في عام 1914 بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وبسبب التوترات في بيروت، وتوقعات تفاعل الأحداث والمواقف السياسية والأمنية. لذا، فإن الفترة الممتدة بين أعوام 1914 – 1916، وهي السنوات التي قضاها إبراهيم عبد العال مع أسرته في دمشق، لم يتلقًَ فيها دراسة منتظمة بسبب الأوضاع الحربية السائدة في بلاد الشام. وبعد أن قام القائد التركي أحمد جمال باشا باقترافاته ضد الشباب العربي بإعدام كوكبة منهم بين عامي 1915 – 1916 سواء في بيروت أو في دمشق، وبعد أن هدأت الأمور بعض الشيء عادت أسرة عبد العال إلى المحروسة بيروت.

كانت أسرة عبد العال حريصة كل الحرص على تعليم أبنائها تعليماً راقياً وجيداً يتماشى وتطلعاتها العلمية والثقافية والإبداعية، لهذا، التحق إبراهيم عبد العال بالمدرسة الألمانية البروتستانتية في منطقة باب إدريس، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التحق بالمدرسة البطريركية في بيروت بين أعوام 1919 – 1925.

كان إبراهيم عبد العال منذ نشأته الأولى يتميز بخصائص ومواصفات إبداعية وابتكارية وهندسية، لهذا، فقد التحق في كلية الهندسة في الجامعة اليسوعية (جامعة القديس يوسف) في بيروت بين أعوام 1925 – 1928، وأظهر خلال دراسته ملامح التفوق والإبداع والتميز استناداً إلى آراء أساتذته، لهذا، فقد نال من الجامعة جائزة الشرف الأولى، وألقى خطاباً باسم المتخرجين.

كان إبراهيم عبد العال طموحاً في طلب العلم والمعرفة، لهذا، قرر متابعة دراسته العليا في فرنسا، فالتحق في العام الدراسي 1928 – 1929 في المعهد العالي للكهرباء في باريس (SUPELEC). وبالفعل فقد تخصص في الكهرباء، بينما تخصص في السنة التي أعقبتها في تخصص المجاري المائية، نظراً لارتباط الكهرباء بالمياه، ونظراً لوضعه رؤية مستقبلية لها علاقة مباشرة بمشاريعه المستقبلية لكهرباء ومياه لبنان.

بين عامي 1930 – 1932 انتقل إبراهيم عبد العال إلى جامعة «غرينوبل» حيث تابع الدراسة والبحث العلمي على كبار المهندسين والأساتذة الفرنسيين الذين توقعوا له أن يكون من أوائل المبدعين اللبنانيين خاصة إذا ابتعد عن العمل السياسي والطائفي الذي كان لبنان يعاني منه في فترة الانتداب الفرنسي.

بين أعوام 1908 – 1932 أصبح إبراهيم عبد العال يملك كماً ونوعاً من الثقافات والعلوم المتنوعة بأبعادها المتنوعة منها:

1- البعد العلمي والثقافي العربي والإسلامي والعثماني.

2- البعد العلمي الألماني.

3- البعد العلمي الوطني المسيحي.

4- البعد العلمي الفرنسي – العالمي.

في عام 1932، وبعد أن أنهى إبراهيم عبد العال دراساته في فرنسا، عاد إلى لبنان، وعين مهندساً في «المؤسسة المشتركة للمياه والكهرباء» التي أسسها الانتداب الفرنسي. وقد تولى بين أعوام 1932 – 1935 وضع الدراسات والبحوث العلمية المتعلقة بالمياه والكهرباء في لبنان وسوريا باعتبارهما دولتين خاضعتين لسلطات الانتداب. ولكن ولسبب أو لآخر، قرر عام 1935 الاستقالة من «المؤسسة المشتركة للمياه والكهرباء»، فرغبت إليه وزارة الأشغال اللبنانية بالاستفادة من علمه وخبراته وإبداعاته، فقبل هذا العرض، وتم تعيينه عام 1936 رئيساً لقسم الأبحاث المائية في مصلحة المياه في وزارة الأشغال العامة.

وبما أن التميّز والإبداع والعلم والمعرفة عوامل أساسية في نهوض المجتمع البيروتي واللبناني والعربي، وبما أنه آمن بهذه العوامل، وآمن بأن التعليم والتعلم وسائل من وسائل نهضة الأمم ورقيها، فقد رغب في تعليم مادة الرياضيات لأبناء مجتمعه، فالتحق في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت بين أعوام 1937 – 1954، كما قام في الوقت نفسه بتدريس «علم العلوم المائية للزراعة وللخدمات المدنية» في معهد الهندسة العالي في جامعة القديس يوسف (اليسوعية) بين أعوام 1945 – 1959. وقد أثمرت عطاءاته العلمية الكثير في ميادين العلم والمعرفة، وتتلمذ عليه عدد كبير من البيارتة واللبنانيين والأجانب، من بين هؤلاء معالي الوزير الأسبق المهندس محمد غزيري.

وبذلك، استطاع إبراهيم عبد العال أن يجمع في الوقت نفسه بين الإدارة والبحث العلمي والتعليم والإبداع والابتكار لا سيما في ميادين المياه والكهرباء، لذلك، أطلق عليه لقب «مهندس المياه اللبنانية والعربية».

ونظراً لعطاءاته وعلمه الرائد وإدارته المتميزة ونجاحاته واستقامته وأخلاقه وسمو أهدافه، فقد تم تعينه عام 1949 مديراً عاماً لوزارة الأشغال العامة. وبما أنه عالم وإداري معطاء وناجح، فقد أسندت إليه مهمة المدير العام لمراقبة الامتيازات، ومنصب رئيس مجلس إدارة عدة مؤسسات عامة، فضلاً عن منصبه كمدير عام لوزارة الأشغال العامة.

في عام 1955 وبعد تقسيم المديرية العامة للأشغال إلى مديريتين عامتين:

1- الطرق والمباني.

2- المياه والكهرباء.

أعطي وبناء على طلبه مسؤولية المديرية العامة للشؤون المائية والكهربائية ومراقبة الامتيازات، وقد أثبت جدارة في إدارة هذه المديرية، واستفادت جميع المناطق اللبنانية من تجاربه وآرائه وقراراته.

واستناداً إلى بروز إبراهيم عبد العال في المجالات العملية والعلمية والإدارية والميدانية في ميادين الهندسة والكهرباء والمياه، وبسبب إبداعاته وإسهاماته وإنجازاته المتعددة، فقد انتخب عام 1958 رئيساً لمؤتمر المهندسين العرب السادس في القاهرة، بالرغم من وجود مئات من المهندسين والمبدعين العرب والمصريين، وقد تم تكريمه من قبل المؤتمر والسلطات المصرية، وتنويه خاص من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل فؤاد شهاب. ونظراً لصعود نجمه في عالم المياه والمشاريع المائية، فقد مثلّ لبنان في جامعة الدول العربية في اجتماعات لجنة وضع مشروع عربي خاص باستثمار مياه الأردن وروافده.

وبالرغم من معاناته المرضية في السنوات الأخيرة من حياته، غير أن أحداً لم يعلم بهذه المعاناة سوى ذويه، لأنه كان مخلصاً ومجداً ومنتجاً في عمله، ومبدعاً في أفكاره واقتراحاته وآرائه ومشاريعه، وخشي من أن يطلب منه بعض المسؤولين الخلود إلى الراحة إذا ما اطلعوا على ما يعانيه من مرض. وبما أن إجراء العملية الجراحية كان أمراً لا بد منه، لذا دخل مستشفى الجامعة الأميركية لإجراء هذه العملية، غير أن القدر كان بانتظاره، فقد توفي المبدع إبراهيم عبد العال في 29 أيلول من عام 1959 عن (51) سنة، وهو يستعد لإجراء تلك العملية. توفي - رحمه الله – وهو في ريعان شبابه، وفي قمة العطاء والتضحية والإبداع والابتكار. وكان إبراهيم عبد العال قد تزوج عام 1944 من السيدة الفاضلة محاسن صباغ وأنجب منها أربع كريمات هن السيدات الفاضلات: إلهام، نسرين، إيمان، وبسمات.

للمهندس المبدع إبراهيم عبد العال الكثير من المؤلفات والدراسات والبحوث باللغتين العربية والفرنسية.